بقلم : أسامة نصّار
بعد عدة أعداد من الجريدة تضمنت ملفات خاصة عن موضوعات الثورة، وجد فريق التحرير أنه يلزم لهذا العدد طرح ملف فيه تفاؤل.
وبقي الاقتراح معلّقاً لأيام، يخرسه ارتقاء شهيد مقرّب هنا، أو يسقط ضمن ضحايا مجزرة أخرى هناك، وفي (الهناك) الأبعد قليلاً، في دول الجوار، ما يجعلنا نرى ما يدعو إلى كل شيء إلا التفاؤل، رغم احتمال وجود ما يدعو له..
وينتظر الاقتراح من يبعثه من جديد ويجامله -ولو مكابرةً- بطرح موضوع (فيه تفاؤل)!
في أسبوع العيد بحثنا عن التفاؤل لنجد السوريين اتخذوا العيد مناسبة لإلهاب جروحهم. .
ربما لم يحتفل سوري واحد بالعيد مع كلّ أهله..
صباح يوم العيد، في دمشق ومحيطها، لم تكذب طائرة الميغ الظنّ. الجميع قال إن صوتها وطريقة تحليقها كانا غير العادة. أحد الأصدقاء يقول ساخراً : (أبو الطيار اشترى له طيارة جديدة وابن الـ… فرحان فيها)!
مناطق سورية كثيرة شهدت مبادرات لعمل ساحات عيد آمنة، مخافة (عيديّة) وقحة على شكل برميل متفجر أو رشقة صواريخ (ممانعة). فاختبأت المراجيح وبسطات الألعاب ومعها بائعو الحلوى الرديئة في أبنية حصينة، وأحياناً في أقبية! وتم توزيعها -وفق خطّة- على أماكن متباعدة في القرى الصغيرة..
معركة هدفها تحرير الفرح وتوزيعه غنيمة على الأطفال!
في نفس المناطق، ربما اختارت بعض المراجيح وعربات غزل البنات (الظهور العلني) تحت السماء مباشرة.
شعور غريب يعتريك عند المرور بإحدى هذه الساحات؛ لوهلة تبدو بائسة معتمة أو حتى خطيرة.. المراجيح بألوان سوداء ورمادية أو زيتية غامقة والخلفية الصوتية هي هدير القصف والاشتباكات أو طلعات الطائرة الحربية…
تقترب أكثر فترى أطفالاً فرحين، يضحكون ويغنون، يلعبون ويتشاجرون كعادتهم.. تميز بينهم ابناً لشهيد ارتقى قبل أسبوع واحد يريد أن يجدّد دوره في المرجوحة!لا تمنعك ضحكاتهم وصخبهم من متابعة اكتآبك، بل من زيادته.. ألا يستحقّ هؤلاء الأطفال ألواناً أزهى وهواءاً أنظف وأماناً أكثر؟ تهزّ رأسك لأن لا تستغرق أكثر بالمرارة.
من مناطق أخرى -سوريةٍ أيضاً- تصل صور لساحات عيد واسعة وصاخبة، يزدحم فيها الناس بثياب جديدة على التسالي والمطاعم والمقاهي.. الناس فيها يبدون مبتهجين و(معيّدين).. يدهمنا الأسى من جديد: هل نسي هؤلاء حال البلد أم أنهم يتناسونه؟ فيحكي أصدقاء -غير بليدين- من تلك المناطق عن شعورهم بالذنب لاقترافهم الفرح رغم كل المصائب.
صاحب الطائرة الجديدة في سماء أول أيام العيد -بطريقة تحليقه غير الاعتيادية- لم يقصف مناطق غير اعتيادية.. لم نسمع عن استهداف ساحات العيد أو تجمّعات الأطفال مثلاً.. كان يستهدف فرحهم.. الفرح في مركز الهدف.. الرعب وباقي الدمار مكسب!
ورغم تمكنه من إصابة فرحهم أحياناً، نجح الأطفال بتفويت الفرصة عليه، وعلى من اشترى له الطيارة الجديدة، وانتزعوا الفرح في هذا العيد. وسينجحون في كل مرّة بذلك.. فلم يعد الفرح مجرد عادة مرافقة للعيد. بل في الزمن بين غارة وأخرى -أو بين مجزرة وأخرى- يصير الفرح فعل مقاومة! فلنحاول جلبه -قصداً- عندما لا نملكه ولو مقاومةً.
دعونا -رغم أنف الطغاة- نفرح مقاومةً ونتفاءل مقاومة ونبتسم أيضاً مقاومةً!
ناشط وصحافي، رئيس تحرير مجلة طلعنا عالحرية، ومدير مكتبها في دوما / الغوطة الشرقية سابقاً، إجازة في الآداب من جامعة دمشق قسم اللغة الإنكليزية، مدير مكتب الحراك السلمي السوري في ريف دمشق.