مجلة طلعنا عالحرية

اغتيال الأمل

في مجموعة دردشة لسوريين في الشتات، ناشط كان منخرطاً في الثورة بكل تفاصيلها قبل أن يغادر البلد يسأل جاداً: “ما هو الوضع في شمال سوريا المحرر؟ هل لا زالت هناك فصائل؟ وما هو “الجيش الوطني”؟
ليجيبه آخر مثله: “لا أعرف أيّ شيء عن الوضع في الشمال، ولا في الجنوب ولا في الوسط، ولا حتى في قريتنا.. آخر ما سمعته عن البلد هو خبر وفاة صباح فخري!”
تعقّب زميلة أخرى في نفس المجموعة ومن نفس الخلفية: “لم أعد أتابع شيئاً من الأخبار.. لا المحلية ولا العالمية.. لكن سمعت عن عودة رفعت أسد إلى سوريا! وأسمع عن مشاكل عنصرية للسوريين في تركيا وعن شيء اسمه “البطاقة الذكية” في المناطق التي يسيطر عليها النظام.. وغير ذلك، وغير أخبار كورونا التي انحشرت في كل تفاصيلنا اليومية، لا وقت -ولا ذهن- عندي لأي شيء آخر”.
من مثل هذه العينة، كيف يمكننا تفسير فقدان الكثيرين لحماسهم تجاه القضايا العامة؟

لو سألنا الناشط العادي أو الناشطة العادية، لماذا تغيرت طبيعة ارتباطك وتفاعلك مع الأخبار والأحداث، ستأتي الإجابة سيلاً من “وجع الراس” والأخبار السيئة التي يعرفها بالضرورة من يتابع أو لايتابع الصحافة والميديا، مثل:
سيف الإسلام معمّر القذافي يقدّم ملفَ ترشيحه لرئاسة ليبيا، ويظهر مرتدياً نفس بردة أبيه البنية القبيحة، بما في ذلك من إيماءات جلية بأن شيئاً لم يتغير بل (لن) يتغير بعد ثوراتكم، وأن برنامجي السياسي هو أن “أعيش في جلباب أبي”، وهذا ما أريده لليبيا والشعب الليبي!
ورغد صدام حسين تبارك للمذكور، وتتمنى عودة الأمجاد والأيام الخوالي، وأن يعيد “أخوها الغالي” سيف الإسلام ليبيا “إلى موقعها الحقيقي”!
وفي مصر السيساوية تستمر محاكمات وتمديدات سجن للناشطين المصريين، وإعادة الاعتبار لكل ما يتعلق بحقبة نظام مبارك.
عندنا في سوريا، ومرة أخرى، ابنة ماهر الأسد تفوز بالمركز الأول والثاني (معاً) في مسابقة للفروسية، وتترك الجائزة الثالثة والفتات لباقي الخدم.. التقليديين أيضاً!
شركة مشغل الاتصالات، بجانب العتيدة سيرياتل تُسمى “إيماتل” و”إيما” هو اسم الدلع التي كانت تدعى به أسماء الأخرس أثناء إقامتها في بريطانيا، قبل أن تعود لسوريا فتصبح “أسماء الأسد”، بخلاف العرف السوري الذي تحتفظ فيه المرأة باسم عائلتها بعد زواجها ولا تُنسب لزوجها.
ولا يبدو أن عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية أمراً بعيداً؛ فها هي الإمارات تقود حملة التطبيع مع النظام، وليست بمفارقة أبداً أنها أيضاً تقود حملة التطبيع مع “إسرائيل”، فقد بات واضحاً تماماً كم هي “إسرائيل” ضرورية للنظام وللمنطقة.. وكم هو بقاء النظام وحلف الممانعة ضروري لإسرائيل.. و”الممانعة” الأمريكية لحملة التطبيع مع النظام تبدو شكلية تماماً؛ إذ أصبح من السهل التمييز متى يقول الأمريكان “لا” حيث لا يقصدون بها إلا “نعم”.
وبالمجمل يمكن القول إن ما عمل عليه النظام الدولي خلال العقد المنصرم وحتى الآن ما هو إلا قتل الأمل وتأبيد اليأس لدى الشعوب المقهورة، وإطفاء أي بصيص من الضوء في آخر النفق: ستبقون كما أنتم، وستبقى الأنظمة شكلاً ومضموناً كما هي، حتى بشخوصها إلى أبد الآبدين. واليأس وموت الأمل لا يعني في النهاية إلا العزوف عن الهمّ العام، واللهاث وراء أي إمكانية يمكن أن تتاح للخلاص الفردي.
ومن أجل مزيد من الموضوعية، ربما صار لزاماً أن نعترف بهذا أمراً واقعاً؛ فنقول إن الربيع العربي قد فشل، وانهزمت الثورات كلها، رغم تغيرات كبيرة تحققت في عقد الربيع العربي، سواء في دول الثورات أو غيرها، وسنختلف أو نتفق على تقييم نجاح وفشل الثورات بالمجمل، أو عند دراسة كل واحدة على حدة، ولكن ما ينبغي الحذر منه هو أن تجرنا هذه “الموضوعية” إلى الركون لإدانة جذرية للجوهر الإنساني الذي قامت عليه كل انتفاضات الشعوب؛ بأن الكرامة حق لكل إنسان، وأن الحرية حق لكل إنسان، وأن الناس كلهم سواء.

Exit mobile version