Site icon مجلة طلعنا عالحرية

استعجال النتائج / محمد حجو

BLB0a6ACcAEzS7K[1]

أينما وجهت أنظارك أو أصخت سمعك إن كان في العالم العربي أو الغربي فإنك ستواجه بسيل جارف من اليأس من الثورة السورية ومفرزاتها، كما أن الكثيرين أصبحوا يتندمون على انخراطهم في هذه الثورة متمرغين في ذكريات ما قبل (اﻷزمة) والتي باتوا يرونها أفضل أيام حياتهم إذا ما قورنت باﻷوضاع الحالية.

هذا اﻹحباط هو أمر متفهم من قبل الناس و ذلك ﻷننا جبلنا على استعجال التغيير من جهة وﻷن الوضع اﻹنساني في سوريا مأساوي لدرجة كبيرة لا توصف؛ فالمجاعات واﻷمراض وغيرها أصبحت مشاهد معتادة في مسلسل المعاناة السورية الذي يتابعه العالم بصمت مخزٍ، كما أنًّ تحوّل الثورة عن سلميتها وتسلل عناصر لا تمتّ للثورة بصلة إليها، عمل على تشويهها ونفور الناس من تقبلها، لكن ذلك لا يُعد عذراً مقبولاً لليأس منها.

وحتى لا أكون غامضاً في طرحي، فإنني سأستسقي من الثورات اﻷخرى في العالم العربي أمثلة من شأنها رسم معالم الطريق الصعبة التي لا بد لكل ثورة أن تخوضها… هذه الطريق التي وصفها الشاعر الكبير أحمد شوقي بكلمات نورانية فقال:

و للحرية الحمراء بابٌ بكلِّ يدٍ مضرّجةٍ يُدقُّ

سأبدأ أولاً بالثورة التونسية؛ باكورة الثورات العربية والتي اصطلح على تسميتها بثورة الياسمين، و هي الآن تعيش وضعاً سياسياً متخبطاً ومترافقاً باستمرار الاعتقالات لكل من سولت له نفسه بالتغيير.

أنتقل بعدها إلى مصر والتي كانت ثورتها مثالاً يضربه الكثيرون من العامة والمثقفين على أهمية السلمية، وأنها كانت درساً ثورياً في رأيهم يتوجب تعليمه للشعوب العربية حتى يفقهوا معاني السلمية.

واﻵن وبعد انقضاء أكثر من ثلاث سنوات على الثورة المصرية، أتوجه بالسؤال أنا وغيري من الذين حذروا من مغبة التفاؤل المفرط للذين هللوا ومجدوا لهذه الثورة ونظروا بدونية إلى الثورات اﻷخرى في ليبيا وسوريا واليمن وغيرها، أتوجه إليهم بسؤال عتابي: ما الذي حققته الثورة المصرية فعلا؟! وأين هي الثمار المنتظرة للثورة المجيدة؟!

حكم العسكر عاد أكثر قباحةً وأشد قسوة ممثلا بـ (عبد الفتاح السيسي) الذي كان قربان حكمه مئات المعتصمين السلميين في رابعة العدوية والذي ظهر تخاذله أمام دماء المئات من الفلسطينيين في غزة وإغلاقه السافر لمعبر رفح، وهو بهذا قد دشن انحطاط الوضع في مصر داخلياً و عربياً.

و بالانتقال إلى البحرين والتي نحت ثورتها منحىً طائفياً لم يعد لا على الشعب ولا الحكومة إلا بمزيد من التراجع و ضعف المنتج أو حتى انعدامه.

لن أسهب في سرد لا يفيد، فالجدول الزمني لكل ثورة ونتائجها معروف ومتوفر لكل من أراد الاطلاع، لكنني إنما أردت الإشارة إلى نقطتين هامتين للغاية في رأيي:

أولا: إن ما يحدث في سوريا اليوم من انتشار لجماعات إرهابية متطرفة دينياً وعسكرياً وتحول الثورة عن أهدافها ليس ذنب من خرجوا يطالبون بالحرية، بل وعلى العكس فإن التظاهرات السلمية لو أتيح لها المجال لساهمت في الحد من انتشار هكذا جماعات و ذلك لوجود فرصة التعبير عن الرأي والاحتجاج. ظهور هذه السلبيات وغيرها هو نتيجة مباشرة لقمع النظام الوحشي واللاإنساني للمتظاهرين السلميين من جهة، وتخاذل وانقسام المعارضة في الداخل والخارج من جهة أخرى.

ثانيا: الثورة في مفهومها اﻷساسي هي تغيير للواقع المعاش، و هو تغيير شديد الصعوبة، ووعرة طريقه كما أن ثماره تتأخر في النضوج، ونحن إن استعجلنا قطافها كان لزاماً علينا أن نأكلها حامضة أو حتى مرة الطعم. خمسون عاماً من حكم البعث المجرم (1963) لا يمكن تغييرها بأربع أو حتى خمس سنوات، خاصة وأن السوريين يقفون وحدهم في مواجهة كل ما يحدث، والمجتمع الدولي مازال يحسب ويعيد الحساب حتى يعلم يقيناً أين ستكون مصالحه فيناصر من يحققها له، غير عابئ بدماء الشعب المسفوحة على أرض سوريا وترابها الذي غدا مكوناً في معظمه من رفات أبنائها الذين قضوا دفاعاً عن حقهم في حياة كريمة.

 

هذه الثورة المجيدة ستحمل في رأيي التغيير الجذري لسوريا وستساهم في تخليصها من حزب مجرم عاث بأرضها وشعبها فساداً حتى أحال قسما كبيراً منهم إلى مجرمين يوازونه فتكاً و رعباً.

أنا وغيري من المثقفين والكتاب نعلم يقيناً أن الشعب السوري المحاصر والجائع والمتعطش للماء والحرية قد ضاق ذرعاً بالتنظير السياسي والمعارك الكلامية المتبادلة، لكن هذا هو قدر الشعوب الراغبة في التغيير واﻹصلاح في العالم أجمع؛ تعاني هي حتى يكتب للأجيال القادمة أن تعيش في حرية وسلام.

Exit mobile version