مجلة طلعنا عالحرية

احتقار المرأة في الموروث الثقافي حكاية الضلع الأعوج

جمال سعيد

قد يوحي العنوان أنّ الموروث الثقافي اكتفى باحتقار بالمرأة، وفي هذا إجحاف بحق موروثنا، فقد تمّ مثلاً التضرّع لأم عمرو لكي ترد فؤاداً كالذي كان، ولكن الثقافة الموروثة بوجه عام تكرس سلطة وتفوق الذكر بصفته “الأقوى” و”الأعقل”. ويوجه للمرأة اتهامات متناقضة فالمرأة متهمة بالكيد الذي يتطلب الذكاء، ومتهمة في الوقت نفسه بأنها “ناقصة عقل”!

موروث منطقتنا الثقافي غني بمفاهيم عديدة، تصلح للمتاحف أكثر بكثير مما تصلح لتكون جزءاً من ثقافة تحكم سلوك أبناء عصرنا. بل يدل وجودها الحي على مدى ابتعادنا عن المنجزات البشرية، وعلى الحاجة الملحّة لحثّ الخطى لنتمكن من التنعم بتلك المنجزات في ميادين مثل علم الاجتماع وعلم القانون وعلم السياسة ومختلف العلوم المرتبطة بالإناسة.

لا نزال نردد -أحياناً بإشفاق- ونحن نتحدث عن سيدة ازدادت مصائبها: “يا حسرتي عليها.. ضلع قاصر” ومع أن الحياة المعاصرة تجاوزت هذا المنطق، لا تزال الحكاية التوراتية حول خلق حواء من ضلع أعوج من أضلاع آدم شائعة شعبياً بين الناس الذين يتحدرون من مختلف الديانات التوحيدية في منطقتنا. ومع أن القرآن لا يذكر الأمر صراحة، الأمر الذي جعل رجال الدين الإسلامي يختلفون على تفسير الحديث الذي رواه أبو هريرة عن النبي وأخرجه البخاري: “..وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ..”. فالبعض يراه رواية تدل على ما حدث فعلاً، أي أن المرأة خُلقت من ضلع استلّه الله من صدر آدم أثناء نومه، في حين يراه آخرون مجازاً؛ يقصد منه وصف طابع المرأة. وكذا الأمر في تفسير العديد من الآيات المتشابهة، ومنها: “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا” الروم:21. حيث يراها البعض إثباتاً على أن (الله خلقها من ضلعه)، في حين يستند آخرون إلى أن كلمة (نفس) إنما تعني الجنس نفسه استناداً إلى الآية: “لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ” آل عمران: 164.

ولكن هذا النقاش بقي بين رجال الدين المتفرغين، والذين يتفقون في نهاية المطاف على أنها “كائن قاصر”.

بقيت الحكاية التوراتية هي المرجع الرئيس، إذْ نقرأ في سفر التكوين (2/21-23): “فأوقع الرب الإله سباتاً على آدم فنام، فأخذ واحدة من أضلاعه وملأ مكانها لحماً. وبنى الرب الإله الضلع التي أخذها من آدم امرأة وأحضرها إلى آدم. فقال آدم: هذه الآن عظم من عظامي، ولحم من لحمي، هذه تدعى امرأة لأنها من امرئ أخذت”.

وتعد هذه الحكاية التوراتية -التي ولدت في منطقتنا، وشاعت في الثقافة العالمية- إحدى نقاط الانطلاق في استصغار المرأة، و”منحها” مكانة دنيا ثانوية، فهي تبعاً مجرد ضلع أعوج! بل بالغ البعض مثل ألكسندر روس في احتقار المرأة معتبراً أن حواء قد خلقت من ضلع آدم الأيسر، وهو الجانب الأضعف، ليفسر “ضعفها ودونيتها”!.

أتاح عصرنا مشاركة أوسع للمرأة في الشؤون العامة، ومع ذلك لا نزال نشهد مفارقات قائمة على الدور الذي تلعبه المرأة، والموقف منها بصفتها ضلعاً أعوج أو قاصراً!

ولا يقف الأمر عند مواقف شعبية بل يتخطاها إلى المواقف الرسمية والدستورية والقانونية، وعلى نحو قاس في أغلب بلداننا. حيث تعاملها القوانين بصفتها أدنى منزلة. خذ الشهادة والإرث والحق في منح جنسيتها لأولادها على سبيل المثال.

لا يقتصر احتقار المرأة على الحكاية التوراتية بل هو جزء من العبادات والطقوس والحياة اليومية. يقول اليهودي المتدين في الصلاة اليومية: “مبارك أنت يا رب لأنك لم تجعلني لا وثنياً، ولا امرأةً، ولا جاهلاً. بينما تقول المرأة في صلاتها اليومية: “مبارك أنت يا رب الذي خلقتني بحسب مشيئتك”!

يوضح الفرق بين الصلاتين دون لبس احتقار المرأة وتكريم الرجل بمشيئة قبلية أو مسبقة، لا راد لها!! الأمر الذي يتيح لنا أن ننظر إلى أن الثقافة الدينية، التي رفعت مفاهيمها وتعاليمها إلى أسّ التقديس، لم تكرس التفوق الذكوري فقط، بل دونية المرأة أيضاً، ولا تكتفي الثقافة الدينية بطرح رأي والدفاع عنه، بل تقفل الباب ما استطاعت، سواء على ثقافة الماضي المقدسة التي لا يجوز تناولها إلا لتكريسها، أو في وجه رياح التغيير التي تأخذ ما وصل إليه الإبداع البشري بعين الاعتبار.

——————————————-

– Philips C. Almond, Adam and Eve in seventeenth century thought, Cambridge University press, 1999, p. 146.
– Leonard J. Swilder, Women in Judaism: The status of women in Formative Judaism. Metuchen, NJ: Scarecrow Press, 1976, pp. 80- 81

Exit mobile version