Site icon مجلة طلعنا عالحرية

إيزابيل الليندي أيقونة تشيلي

بشرى البشوات

“إنها تجربة سكون غريبة.
الأيام تقاس حبة حبة في ساعة رملية صبورة، أيام تضيع في التقويم لشدة بطئها، ويبدو لي وكأنني أقيم منذ الأزل في هذه المدينة الشتائية، بين الكنائس والتماثيل والجادات الإمبراطورية.
أساليب السحر أبدت عدم جدواها، إنها مثل رسالة نلقي بها إلى البحر في قارورة على أمل العثور عليها في ضفة أخرى ليأتي أحد وينقذنا، ولكننا لم نتلق جواباً حتى الآن”.
إيزابيل الليندي كتبت هذا في روايتها “باولا”.
حين قرأت رواية إيزابيل الليندي قبل سنوات من الآن، وعرفت بأنها تكتب قصة حقيقية عن ابنتها الشابة التي توفيت جراء مرض نادر وهي بعد في العشرين من العمر، تملكني حزن غريب، وحامت في رأسي علامة استفهام كبيرة؛ كيف استطاعت أن تكتب كل هذا وهي تجلس على كرسي في إحدى المستشفيات بانتظار أن تستفيق ابنتها من غيبوبتها، التي لم تصحُ منها أبداً.
حقيقة لم أجد جواباً لسؤالي. في ما بعد واصلت الغرق في عالم هذه السيدة صغيرة القدّ التي تدعى إيزابيل الليندي.
إيزابيل الليندي واحدة من أشهر الكاتبات في زمننا، كتبت ما يزيد عن عشرين كتاباً ورواية، وقد ترجمت رواياتها لأزيد من خمسين لغة، من بينها اللغة العربية، وحازت على العديد من الجوائز.
تتمتع إيزابيل بحب وإعجاب القراء الكبير لها.
تكتب إيزابيل الليندي على صفحتها الشخصية على فيسبوك فتقول: “أنا رومانسية لا أقهر. لقد وقعت في الحب دائمًا منذ سن السابعة حتى يومنا هذا. لذلك لا عجب أن يظهر الحب باستمرار في كتاباتي. أعتقد أنه أقوى قوة في العالم، وقعت فيه بطرق مختلفة، إنه يحرك كل شيء في الطبيعة.
في سن الشيخوخة سأبلغ الثمانين في هذا العام. أقدّر الحب أكثر من أي وقت مضى.
كثيراً ما يسألونني كيف يكون الحب في هذه المرحلة؟ أقول بأن الأمر أشبه بالوقوع في الحب في الشباب، ولكن مع المزيد من الصبر والتسامح والدعابة الجيدة والإحساس بأن لدينا القليل من الوقت المتبقي.. يجب أن نستمتع به”.
بدأت إيزابيل القراءة في الخامسة من عمرها، حين أعطاها عمها كتاباً مصوراً عن الأساطير الإسكندنافية؛ رسوم لملكات وأميرات، رسوم للدببة والثلوج. وقد سحرها ذلك لأنها لم ترَ الثلج من قبل في حياتها.
تَعتبر إيزابيل أن كتابها الأمتع هو رواية “نداء البرِّيَّة” التي نُشرت في عام 1903، وهي من أبرز روائع المؤلف الأمريكي الشهير جاك لندن، بل وتعده عمله الفني الأكثر تميزًا. وهي تروي قصة كلب اسمه “باك” يتم اختطافه من حياة الدّعة والراحة التي كان يحياها كحيوان مدلل في منزل القاضي ميلر في وادي سانتا كلارا الذي تغمره الشمس، ويُلقى به إلى فوضى منطقة كلونديك التي استقبلت أناسًا من كل حدب وصوب بعد اكتشاف معدن الذهب هناك. يواجه “باك” قسوة الحياة ومشاقها على الثلوج وهو يجر الزلاجات. ورغم ذلك، يكتشف “باك” في داخله قوة لم يكن يعرفها، وغرائز ورثها عن أسلافه من كلاب البريّة، والتي كانت تكشف عن نفسها كلما تعرض للخطر. وفي النهاية، يلبي “باك” نداء البريّة، ويعيش في أحضانها بعد رحيل سيده جون ثورنتون (السيد الوحيد الذي أحبه) فتنقطع صلته بعالم البشر، ويعود إلى عالمه الأصلي في البريّة.
حكاية الكلب ومعاناته حفرت في قلبها؛ فهي تكنّ حباً جماً للحيوانات.
قرأتْ كتاب ألف ليلة وليلة في بيروت، وقد كانت وقتها في طور المراهقة، وتقول بأن هذا الكتاب غيّر كثيراً في حياتها.
أما إدواردو غاليانو الكاتب والصحفي والروائي الأوروغواري فقد غيّر تفكيرها، قرأت كتابه الشهير “شرايين أمريكا اللاتينية المفتوحة” عندما كانت تبلغ من العمر 29 عاماً، وبفضله أصبحت واعية بالوضع السياسي والاجتماعي لأمريكا اللاتينية، خاصة لبلدها تشيلي.
تقول إيزابيل: “كتبت العديد من الروايات التاريخية فأصبحت أهتم بالماضي وكيفية تشكيل الحاضر. شخصياتي ليست منفصلة عن العالم الحقيقي؛ فالأحداث الاجتماعية والسياسية تؤثر على حياتهم.
حياتي الخاصة حددتها أحداث خارجية لم أستطع التحكم بها. لا يمكنني أن أروي حياتي بدون الإشارة إلى تلك الظروف. وبنفس الطريقة، لا يمكنني إنشاء شخصيات يمكن تصديقها -معقدة ومتناقضة كما هم الأشخاص الحقيقيون- دون وصف الوقت والمكان الذي يعيشون فيه”.
المكان وتفاصيله تلعب دوراً أساسيًا في رواياتها وحكاياتها. تقول الليندي إن رواية “مئة عام من العزلة” هي من حركت فيها حبّ الكتابة.
كانت في الأربعين من العمر، في وظيفة بسيطة، وقد كَبُر الأولاد قليلاً فلم يعودوا بحاجة إليها. فحدث أن قراءة رواية مئة عام من العزلة جعلتها تريد كتابة تاريخ عائلتها وبلدها تشيلي.
بدأت بكتابة روايتها الأولى “بيت الأرواح” في ذلك الوقت.
أصبحت رواية “بيت الأرواح” الأفضل مبيعاً والأنجح نقديّاً حال صدورها عام 1985، وقد حازت الكاتبة على هذه الرواية جائزة الأدب البانورامي، كما أنها ترجمت إلى ما يقارب الثلاثين لغة!
تعتبر الليندي الأعمال الشعرية لشاعر تشيلي الأول بابلو نيردوا، هي مصدر الراحة والسلام الأهم بالنسبة لها، لذلك تعود إلى قراءتها دائماً، وبتاريخ محدد، وهو السابع من كانون الثاني من كل عام، ومع هذه القراءة تعود إلى إسبانيتها وتثري مخيلتها.
تقول بأنها “قد تنقلت طيلة حياتها، ونيردوا فقط يعيدها إلى منبتها وجذورها”.
صدرت روايتها الأخيرة فيوليتا في كانون الثاني 2022 باللغتين الإنجليزية والإسبانية. تقول إيزابيل: “أهديت هذه الرواية إلى فيليب بيريوس ديل سولار، صديقي المفضل وملهم شخصية كاميلو.
يعمل فيليب مع الفقراء في مكبّ نفايات في شمال تشيلي، دينه يتعلق بالرحمة، الشمول، التسامح، الخدمة، الحب غير المشروط، النضال من أجل العدالة والتغيير الاجتماعي.
إنه مليء بالشكوك حول الكنيسة، ولكن ليس لديه شكوك حول إيمانه”.

Exit mobile version