غابت أصوات الذين اتهموا الثورة السورية عن المشهد تمامًا بالتزامن مع غياب بشار الأسد منذ بدء العدوان الروسي على سوريا، العدوان الذي برره النظام وأتباعه، وحمّله قيمةً وطنيةً عليا لأنه يدافع عن وجودهم، حتى وصل الأمر بخطيب الجامع الأموي في العاصمة “الروسيّة” دمشق أن يعاهد سيادة الرئيس المفدى بطل تشرين “بوتين” بحمل البندقية والدفاع عن روسيا في حال تعرضها لخطر الإرهاب، ولم تقف المهزلة عند خطيبٍ تعهّد بحمل البندقية للدفاع عن بلد آخر ولم يفعلها في بلده! بل تعدّتها لتصل إلى شبيحة النظام من غير السوريين أيضًا، فهاهم يخرسون بعد أن أرهقوا أسماعنا بخطبهم الرنانة عن رفض التدخل الخارجيّ، واتهام الثورة بجلبه، وهاهم يصفقون له ويعتبرونه إنجازًا يضاف لإنجازات الأسد التي لم تبدأ بقتل نصف مليون سوريّ وتشريد عشرة ملايين، ولم تنتهي باستجلاب العدوان الروسي ليقصف المدنيين والأطفال.
حتّى أولئك الذين كانت مواقفهم مائعةً تجاه الثورة، وكانوا يتحجّجون بأي شيء لكي يتهرّبوا من الوقوف مع الشعب السوري، خرسوا تمامًا اليوم، فمع انطلاق الحراك الفلسطيني، تعرّت كلّ مواقفهم، فهاهو الحراك الفلسطيني يخرج باسم دينيّ “انتفاضة الأقصى” رغم وجود إمكانيّات أخرى، ولا أظنّ أن الأقصى أصبح صرحًا من صروح العلمانية في الوطن العربي، وهاهو بدون قيادةٍ وبدون أيديولوجيا، وبدون برنامج سياسي واقتصاديّ، بل إنه لجأ إلى العنف كأسلوب عمل استراتيجيّ للدفاع عن نفسه ابتداءً من عمليات الدهس أو الطعن وما تلاها، وليس خافيًا على أحد ارتهان الفصائل الفلسطينيّة إلى هنا أو هناك، بدءًا من حماس وفتح؛ وانتهاءً بكلّ الفصائل التابعة، هاهي كلّ “مشاكل” الثورة السورية التي تذرّعوا بها؛ واضحة أمامنا في الحراك الفلسطينيّ، ولم يجرؤ أحدهم على التحدّث عنها، فهنا العدوّ واضح، ولا مصالح معه إلّا من تحت الطاولة، أمّا مع الأسد ففوق الطاولة تقلب الحقائق ويصبح السقوط بطولة!
بين عدوان إسرائيلي، وعدوان روسيّ إيرانيّ، يقاوم الشعبان الفلسطينيّ والسوري تحالف اليوم المعلن من الذين كتموا تحالفهم تقيّةً، وطالما أن إسرائيل بكل قوّتها لم تستطع إبادة الشعب الفلسطينيّ، فهذا يعني بالضرورة، أنّ تحالف إيران وروسيا الأسد مع إسرائيل لن يقضي على إرادة الشعب السوريّ مهما كان.
شاعر وكاتب صحافي من سوريا – فلسطين.
رئيس تحرير صحيفة “أبواب” ومحرر القسم الثقافي سابقاً في مجلة “طلعنا عالحرية”. صدر له في الشعر “سيرًا على الأحلام” 2014 عن دار الأيام – الأردن، وله كتابان قيد الطبع في الشعر “لم ينتبه أحد لموتك” و”لابس تياب السفر” في الشعر المحكي. يكتب في العديد من الصحف والمواقع العربية والألمانية. ترجمت نصوصه وقصائده إلى لغات عديدة كالإنكليزية والألمانية والبوسنية. يعيش في ألمانيا منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2014 بعد استضافته من قبل مؤسسة الأديب الألماني “هاينرش بول” في منحة تفرّغ إبداعي للكتابة.