أرادها طائفية..
نعم هناك بذور اقتتال طائفي في سوريا. ولا ينبغي للمجتمع الدولي الصراخ بهذه الحقيقة كل حين، فقد كان بصمته وعجزه عن التعامل مع عنف النظام واجرامه بحق السوريين، أحد العوامل التي أدت إلى اشتداد الاحتقان في المجتمع ووصوله إلى حدود باتت تنذر بالخطر.
أرادها النظام طائفية منذ اللحظات الأولى، في الوقت الذي كان فيه السوريون يصرخون من أقصى البلاد إلى أقصاها “واحد واحد الشعب السوري واحد”. لم يوفر جهدا في استثارة فئات المجتمع ضد بعضها وترهيب الأقليات الدينية بمستقبل مجهول ينتظرها في حال غيابه عن الساحة. لم يوفر فرصة للإساءة لمعتقدات الثائرين ومقدساتهم واستهداف رموزهم الدينية. أرادها طائفية ليفرغ ثورتنا من مضامينها الوطنية والانسانية والأخلاقية، وارتكب الجريمة تلو الأخرى وهو يراهن على نفاذ صبرنا ويستدعي ردود فعلنا الانتقامية.
المدهش في ذلك كله، هو هذا الشعب الذي قاوم لأكثر من سنة كاملة، ليس فقط أشكال العنف والرصاص والقصف والتعذيب والتهجير كافة، بل أيضا الانتقال من خانة الوطني الثائر لحريته وكرامته إلى خانة “وحدة الدم” الطائفي وردود الفعل الانتقامية العمياء.
بدأت الأمور في التغير قليلا مؤخرا، مع ارتكاب المجزرة تلو الأخرى، مع عمليات التهجير الممنهج لأحياء ومناطق كاملة من سكانها، مع توظيف جزء من شبيحة النظام ومرتزقته لانتمائهم الطائفي لتنفيذ مخططات النظام في جعلها طائفية.
حصلت عمليات انتقامية هنا وهناك، انجر بعض إعلام الثورة إلى خارج النطاق الوطني والانساني الذي ثابر عليه منذ أول صرخة للحرية في آذار من العام الماضي. سارع المجتمع الدولي بعار عجزه وتواطؤه، إلى ندب حالنا واحتمال انتقالنا إلى اقتتال طائفي.
وفي ضوء ذلك كله، نقول أرادها طائفية ونريدها حرية. ليس لأننا مغرقون في المثالية، ليس لأننا لا نغلي بالغضب والألم لفقدان الأحبة وعمليات التنكيل اليومية التي تحيق بنا. بل لأننا نعلم جيدا ما يعنيه اقتتال طائفي، قد يمتد سنوات وسنوات، ويهدر دماء ودماء، قبل أن تكتشف جميع الأطراف أنه من غير الممكن مسح طرف من الوجود، وأن على الجميع ان يقبل بالعيش المشترك في إطار من العدالة والمحاسبة والمواطنة.
ولأننا نحلم بوطن لا مكان فيه للثأر والأحقاد، حيث تسوى آلام الماضي بالمحاكمة العادلة وتحمل المسؤوليات الأخلاقية والوطنية والقضائية كاملة، فنسدل الستار على مرحلة مظلمة من تاريخنا أسسها الاستبداد على الكراهية والعنف والافلات من العقاب، بدل أن نهيئ لتكرارها مرة تلو أخرى.
ولأن ما دمره النظام من عمران واجتماع وثقافة وانسان طيلة عقود، يحتاج إلى مثلها لإعادة إعمارها، ومن العبث إهدار دقيقة واحدة في غير هدف إعادة الإعمار التي لا شك ستكون طويلة وصعبة أكثر مما قد نتخيل.
أرادها طائفية، ونريدها حرية وكرامة وعدالة. وبين ارادتنا وإرادته لحظة الانتصار ولحظة السقوط.
محامية وناشطة سورية في مجال حقوق الإنسان. شاركت في الثورة السورية عام 2011 وكانت من مؤسسي لجان التنسيق المحلية التي نشطت في تنظيم الحراك السلمي في الثورة السورية، حاصلة على عدة جوائز عالمية في مجالات حقوق الإنسان وحرية الفكر.
مارست عملها الانساني في ريف دمشق دوما وفي نهاية عام 2013 اختطفت مع ثلاثة آخرين من زملاءها (سميرة الخليل، ناظم حمادي، ووائل حمادي) من قبل الجماعات الإسلامية التي سيطرت على مدينة دوما.
رزان من مؤسسي مجلة طلعنا عالحرية وظلت حتى اختطافها من محرري المجلة الأساسيين.