فيما تستمر سيطرة الثوار منذ ما يقارب الشهر على معبر القنيطرة ذي الأهمية الخاصة على خط وقف إطلاق النار مع الكيان الإسرائيلي، فإن الثوار يبدون أكثر ثقة في إنجازهم ويعلنون عن تقدمات عديدة في المنطقة الجنوبية.
إلا أن هذا التقدم يشوبه الكثير من الحذر والترقب بالنظر إلى الحساسية العالية لهذه المنطقة كخط جبهة، والنوايا الإسرائيلية المحتملة أو ربما المخططات المبيتة منذ سنوات طويلة.
وقبل الخوض في هذا الموضوع الشائك لا بد من التقصي الدقيق حول منجزات الثوار الفعلية وحقيقة تقهقر النظام في تلك المنطقة، وفي هذا أكد السيد فادي الأصمعي ممثل المكتب الإعلامي للقرى الأمامية في القنيطرة وريفها لطلعنا عالحرية أن “ما يجرى في القنيطرة على الصعيد الميداني تقدم كبير للثوار، وقد تم بسط السيطرة التامة على أغلب قرى وبلدات القنيطرة، كما تم تحرير كامل السرايا التابعة للواء 90 أحد أهم وأكبر الألوية على خط الجبهة، والسيطرة على جميع السرايا المنتشرة في القطاع الأوسط من المحافظة وقبلها السرايا التابعة للواء 61 الذي لا يقل أهمية عن اللواء 90”.
ويضيف: “لقد كان هذا العمل ثمرة لتوحيد صفوف الثوار الذي لم يخلُ من فصائل إسلامية انضمت للعمل وشاركت بالتحرير”.
يؤكد هذا الكلام العديد من الناشطين أيضاً على جانبي خط وقف إطلاق النار، حيث اعتبر الدكتور علي أبو عواد من قرية بقعاثا المحتلة والقريبة من معبر القنيطرة، في حديث مع طلعنا عالحرية أن “العلامة الحاسمة على أن النظام ذهب إلى غير رجعة هو قيام قوات الأمم المتحدة بإخلاء كافة مواقعها. وذلك على ما يبدو يتجاوز قلقها على حياة أفرادها ويعود الى تأكدها من سقوط النظام في القنيطرة، وهو الطرف الضامن لاتفاقية الفصل لعام 1974، وبالتالي سقوط هذه الاتفاقية وانتفاء الحاجة لبقاء هذه القوات”.
ويضيف أبو عواد أن خسارات النظام والانهيارات المتلاحقة لمواقعه تتأكد بالأنباء الواردة التي تفيد بقيامه بإخلاء مؤسساته الرسمية من مدينة الثورة في ريف القنيطرة إلى دمشق، وإخلائه لما تبقى من قطعه العسكرية، وتركه للشبيحة ولجان الدفاع الوطني لمواجهة مصيرهم”.
ويعتبر كثيرون أن فشل النظام طوال ما يقارب الشهر في استعادة معبر القنيطرة تحديداً يشكل مؤشراً كبيراً على ضعفه وعلى حالة الوهن العامة التي يعانيها جنوده، ففشله هذا كما يقول أبو عواد يأتي “رغم ما يشكله الأمر من أهمية لديه في سعيه للحفاظ على الظهور بمظهر المتماسك أمام الاسرائيلي وحلفائه وذلك لتسويق نفسه كشريك باق ضامن للحدود كما كان عبر عقود”.
كذلك فإن تراجع النظام في محافظة القنيطرة تترتب عليه أمور أخرى ذات أهمية على جبهات أخرى، يقول الإعلامي فادي الأصمعي أن “السيطرة على القنيطرة ومنها إلى ريف درعا الغربي تفتح الطريق إلى الغوطة الغربية، وبالتالي السيطرة على طرق الإمداد من الأردن وصولاً إلى الغوطة الغربية، عدا عن الوضع الاستراتيجي للقنيطرة والجولان و”إسرائيل” الربيبة المدللة لكل دول الغرب”..
وفي الحديث عن “إسرائيل” يثور السؤال حول نواياها وماذا سيكون موقفها من هذه التطورات؟ وهل بالإمكان أن تقلب الطاولة على الثوار وهي التي أمنت حدودها الشمالية بضمانة النظام السوري طوال العقود الماضية؟ يجيب الإعلامي فادي الأصمعي من القنيطرة أن “الكيان الاسرائيلي يراقب عن كثب ما يحصل على الأرض، وجيشه في حالة من التأهب العالي على الحدود وهناك استنفار كبير، وقد تمّ رصد تحركات لآليات وعتاد عسكري بجانب الشريط الشائك، وفي الأيام الماضية سمحت “إسرائيل” للنظام بخرق الأجواء التي كانت محرمة عليه وفق معاهدة جنيف وخط وقف إطلاق النار، وقد ضرب قرى على الشريط الفاصل لأول مرة، الأمر الذي يؤكد ماهية التعاون الاستخباراتي والعسكري بين النظام والكيان الإسرائيلي”.
وفي ذات السياق يرى الدكتور أبو عواد “أن الثابت في موقف “إسرائيل” وحلفائها كان العمل على منع أي دعم للثورة حيث جميعنا يذكر أن وصول بعض الجرحى في الأشهر الأولى خلق ضجة وتذمراً وتعبيراً صريحاً عن عدم الاستعداد لعلاج الجرحى على لسان المسؤولين الإسرائيليين، لكن حالة الحرج من ناحية والمراهنة على القادم من ناحية أخرى هو ما جعلها تقدم بعض الإسعاف للجرحى”.
ويذكر أبو عواد في هذه المناسبة موقفين صدرا عن شخصيات محسوبة على الوسط الثقافي، أحدهما للكاتب دافيد غروسمان قال فيه: “لا تتدخلوا ودعوا العرب يقتلون بعضهم”… الأمر نفسه صدر في مقالة تشبه توصية للقوى الغربية لموشيه ارنز وزير الدفاع السابق في حكومة شامير في الجورزاليم بوست بالإنجليزية منذ ما يقارب السنة وقال فيها: “لا تتدخلوا ودعوا الأشرار يقتلون بعضهم”.
ويضيف: “إن الموقف الإسرائيلي والغربي كان ومازال يدفع باتجاه استمرار المعركة لاستنزاف الثورة، بما يسمح ببقاء نظام مضمون لهم، أو إعادة إنتاج نظام شبيه يقوم بنفس ما قام به من دور في حال سقوطه، أو دفع البلد والمنطقة باتجاه تقاتل إثني وطائفي يستنزف كافة الطاقات لعقود. وقد يكون مشروع التقسيم أحد هذه البرامج المطروحة، يؤشر له ما نسمعه عن مشاريع حماية ذاتية للسويداء وصلت إلى حدّ المناداة بلقاءات تأخذ طابعاً مذهبياً بحجة ما يتهدد أهلنا في السويداء من مخاطر تمهد لها مشاريع الفتنة المتكررة بين السهل والجبل على يد رجال أمن النظام من ناحية وقوى التكفير ممثلة بجبهة النصرة من جانب آخر”.
وفي ظل الكوارث التي تعصف بالمدن السورية المختلفة، وفي ظل الاقتتال الذي أخذ منحى طائفياً مؤكداً على يد النظام وحالش وداعش ومثيلاتها، هل لازال بالإمكان بعد التغلب على مشاريع التقسيم المرسومة لسوريا والمنطقة، وماذا على الجهات والنخب الثورية والاجتماعية فعله لتفادي هذا الإنزلاق، بالأخص حين نتحدث هنا عن الجنوب السوري المحاذي لإسرائيل التي سعت دوماً لخلق دويلات طائفية في محيطها، والتي على ما يبدو تتماشى مع ميول النظام للاختباء في حصنه الطائفي الأخير..
وفي هذا يرى العديد من المثقفين والناشطين أن الرهان الأخير يبقى على وعي السكان وثقافتهم الوطنية التي تدفعهم لمقاومة هذا المشروع، إلا أن الواقع السيء قد يفرض نفسه أخيراً على الجميع.
الدكتور أبو عواد يبدو أكثر تفاؤلاً: “رغم أني قد أتهم بالتفاؤل ولكني أظن جازماً أن لدى أبناء شعبنا السوري من المنعة الوطنية ما يمنع التفتت، وهذا برأيي ما جعل كل محاولات الدفع باتجاه التقاتل الطائفي والإثني والمذهبي في كافة المناطق السورية لا تتجاوز الحالات المنعزلة التي كانت سرعان ما تخبو نيرانها، رغم ما تراكم من غضب من الأكثرية السنية بسبب الجرائم المريعة التي سعى النظام وبكل ما أوتي من قوة ليعطيها مظهراً طائفياً كي يدفع هذه الأكثرية باتجاه ردود طائفية”
ويضيف: “أن ذلك لا يعني منا أن نركن أن الأمور بخير، وبالأخص نحن الذين نعيش تحت الاحتلال والذين خبرنا أساليبه ومؤامراته وأخطرها مشروع الدولة الدرزية التي كان لمناضلي الجولان شرف إسقاطها مع المناضلين من أهلنا في لبنان وجبل العرب.. فحرصاً على تاريخنا المشرف ومستقبل أجيالنا يجب أن نكون متيقظين لأي محاولة لاستغلال ما يعيشه أهلنا في السويداء وجبل الشيخ من صعوبات ومن مخاطر لمحاولة تسويق خلاص منعزل عن الخلاص السوري، فما يعيشه أهلنا هناك هو جزء مما يعيشه أبناء شعبنا، ولا خلاص لهم إلا بإسقاط النظام وإقامة الدولة الحرة العادلة على كامل التراب السوري التي تليق بما بذل وما يبذل من تضحيات”.
كاتبة صحافية وناشطة سورية من الجولان المحتل، نائب رئيس تحرير طلعنا عالحرية.