قد يظنّ المتأمّل في شؤون محافظة إدلب من بعيد أنها منطقةٌ خالية من النظام والقانون، حتى وإن كان رأيه ذاك من باب الإشفاق على هذه البقعة الغالية على قلوب السّوريّين والحزن عليها. غير أنّ حادثاً صغيراً حصل معي مؤخراً أثبت لي أنّ الأمر خلاف ذلك تماماً، وأنّ أبناء إدلب والنازحين إليها ناجحون نسبيّاً في إدارة شؤونهم وإقامة حكم القانون، حتى وهم يرزحون تحت سلطة أمرٍ واقعٍ لم يكن لهم يد في اختيارها.
تعرّضتُ الشهر الماضي لعملية ابتزاز مقيتة أتت من منطقة إدلب في الداخل السوريّ. فقد هددني جماعةٌ من الناس مرتبطون بفصيل عسكري بالتعرّض لسلامة والدي بسبب مقال كتبته لم يعجبهم. والدي رجلٌ سبيعينيّ يعيش نازحاً مع زوجته في قرية أطمة على الحدود التركية، وليس مسؤول عمّا أقوله وأفعله؛ وهذه بديهيّة لم يستوعبها البعض ممن أعطتهم الحرب فائضاً من المال والسلاح.
اضطررت من أجل حماية والدي إلى توكيل محامٍ، واللجوء للقضاء في حكومة الإنقاذ في إدلب. قام جهاز الشرطة في قرية كفرلوسين الحدوديّة بإلقاء القبض على صاحب التهديد، غير آبهين بالمسلّحين الذين يقفون وراءه، وتم وضعه في السجن، ومعاقبته على تنمّره وإساءته بأن حلقوا شعره (على الصفر)، وجعلوه يكتب تعهداً بأنه لن يتعرض لوالدي بسوء، ولن يكرر تنمّره وتهديداته. ولم يتمّ إطلاق سراحه إلا بعد موافقة المحامي الذي قمت بتوكيله.
من الرائع أن نشاهد العدالة وقد تحقّقت، حتى وإن كانت على يد حكومة الإنقاذ في إدلب، مع أني كنت واثقاً منذ البداية أنّ والدي جَبلٌ “لا يهزّه ريح” فمنه ورثتُ الشجاعة والعدل والصدق؛ وهي قيم لن يغفر لي لو تخلّيتُ عنها من أجل شرذمة خارجة عن القانون.
وحاصل الأمر أني أشعر بالاطمئنان أكثر على والدي وعلى أهل إدلب والنازحين إليها بعد هذه الحادثة، ويحدوني الأمل أن إدلب -أرض التين والزيتون- لن تكون إلّا بخير.
خرّيج قسم اللغة الإنكليزية – جامعة دمشق. حاصل على دبلوم الدراسات العليا من جامعة البعث في حمص، كاتب ومترجم من أعماله:
الفارس المزيّف- مجموعة قصصية.
أمريكا الامبريالية- (ترجمة عن الانكليزية)
عمل خلال الثورة السورية ناطقاً باسم لجان التنسيق المحليّة ومراسلاً لقناة أورينت وموقع كلّنا شركاء.
وفي عام 2014 عمل مراسلاً في وكالة مكلاتشي الأمريكية من اسطنبول.
يقيم الحمّادي في فرنسا منذ أواخر عام 2019 ويعمل ككاتبٍ وصحفي مستقلّ.