تنتشر بين المعارضين السوريين عادة الاستهزاء بأوباما، من نعته بالضعيف، إلى الأخرق، وحتى في صفاقة لا حدود لها، يشهّرون بكونه أسود، وأن ضعفه المفترض نابع من لون بشرته. سخر هؤلاء المعارضون أنفسهم من الأخبار القائلة بأن الصومال ستفرض فيزة دخول على السوريين، ووجّهوا أقذع الشتائم للزمن الذي جعل بائعي الموز يتطاولون علينا فيه. العنصرية الموجهة ضد السود في القارة السمراء كانت وما زالت واضحة بشكل لا لبس فيه. في دمشق، حيث انتشرت عادة استقدام الخادمات الأجنبيات قبل الثورة، أصبحت الطبقات العليا والوسطى تمارس العنصرية بمقدار يكاد يقترب من المقدار الموجود في الخليج العربي ولبنان الشقيق.
العنصرية تنتشر أيضاً ضد أبناء الخليج العربي، خصوصاً بين أتباع النظام. مفردة “عربان” التي يستخدمها النظام بشكل تحقيري تعكس حقداً على أبناء الخليج مجتمعين. يغذّي النظام النزعات الاستعلائية الموجودة سلفاً عند السوريين، ويستثمر فيها لتبرير موقفه المتصدي لغزو “البرابرة” القادمين من جهات الأرض الأربع للنيل من سوريا “الممانعة والصمود”. بعض مريدي التيار الثالث وهيئة التنسيق، وحتى بعض المعارضين الراديكاليين لنظام الأسد، يستخدمون نفس المصطلحات التحقيرية بحق شعوب الخليج العربي، وبأسلوب ممتلئ بالعجرفة.
أسوأ أنواع العنصرية، بالطبع، هي تلك التي تنتشر بين السوريين أنفسهم. طبقات وأنواع مختلفة ومتعددة من العنصرية تتزاحم في أذهان السوريين وفي ممارساتهم اليومية، ابتداءً من عنجهية المدن الكبرى كدمشق وحلب وحمص، إلى عجرفة العائلات العريقة والعشائر الكبيرة، وانتهاءً بالمفاضلة بين الطوائف المختلفة والمناطق المتعددة. ضحية العنصرية الأكبر هم الشوايا. في دمشق، يستخدم لفظ “شاوي” بصيغة تحقيرية تشير إلى كل من هو متخلف وفقير وقذر. أضف إلى كل ذلك، مفهوم “البيئة الحاضنة”، الذي يبرر للنظام تدمير كافة المناطق التي تخرج عن سيطرته. يستطيع المرء ترجمة “البيئة الحاضنة” إلى الأرياف السنية الفقيرة. وبما أن داعش استولت على الرقة، أصبحت الرقة هي “البيئة الحاضنة” بامتياز.
عادت العنصرية للانتشار بقوة مع دخول القوات الكردية إلى تل أبيض وما حولها، وتبادل العرب والأكراد أبشع أنواع الاتهامات العنصرية المقززة. ردّد بعض الأكراد مقولة البيئة الحاضنة التي أرساها النظام. عانى أهل الرقة من ضربات النظام وقوى التحالف الدولي واحتلال قوات داعش لمدينتهم، وفي النهاية من تجاوزات القوات الكردية المتكررة. في حين ردد بعض العرب التشنيع والتخوين بحق الأكراد جميعاً.
الكثير من السوريين، ضحايا المأساة الإنسانية الأكبر في القرن الحادي والعشرين، عنصريون حتى النخاع. بالإضافة إلى ما سبق، هناك أشكال أخرى من العنصرية: منها تلك التي تنتشر بين السوريين في الخليج ضد العمال الآسيويين والأفارقة؛ والعنصرية ضد العرب والمسلمين والمهاجرين الآخرين التي تنتشر بين السوريين في أوروبا، في محاولة لتمييز أنفسهم عن المهاجرين الأفقر والأكثر تعرضاً للاضطهاد.
الحرية تقتضي أن يتحرر الإنسان من أوهام التفوق العرقي والديني والطائفي بكافة أشكاله. فقط عندما نرى في كل فرد مثالاً لإنسانية مكتملة، لا يتميز في الجوهر الإنساني سلباً أو إيجاباً عن أي فرد في أي جماعة بشرية أخرى، سنتحرر من صور متخيلة عن عالم تتقاسمه جماعات بشرية تتفاضل بالجوهر في خصائص أخلاقية ثابتة ونهائية.
هذه هي الثورة التي لم تنتصر بعد، أيضاً.
طالب دكتوراة في فلسفة اللغة وصحفي سوري