المحامي ميشال شماس
أصبح اليوم الحديث عن القضاء القوي العادل وحقوق الإنسان أكثر من ضرورة ملحّة، ويكتسب أهمية بالغة بالنسبة للشعب السوري، لاسيما في ظل المأساة الرهيبة التي يعيشها منذ ما يقرب من خمس سنوات وما قبلها، على امتداد أكثر من خمسين سنة من العسف والظلم والحرمان.
ففي الوقت الذي ازدادت فيه أهمية دور القضاء في تطور المجتمعات وتقدمها، بعد أن أصبح يقوم بوظيفة حفظ الاستقرار والسلم الاجتماعي، وامتصاص التوترات المجتمعية التي يمكن أن تحدث نتيجة عدم إيجاد حلول جدية للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية، ولاسيما مشكلة الفساد والتضييق على حرّيات الناس، وذلك في إطار مجموعة من المبادئ والديمقراطية الحديثة، المرتكزة على قضاء مستقل وقوي، وعلى سيادة القانون.. نجد العكس تماماً قد جرى ومازال يجري في سوريا؛ حيث تحوّل القضاء إلى مجرد هيكل بلا طعم ولا لون، بسبب التدخل السافر في شؤونه والتعدي على اختصاصاته، فتحول من مؤسسة عدل وإنصاف إلى وسيلة بيد النظام الحاكم لتثبيت حكمه وقمع الشعب، ولاسيما خصومه السياسيين، وكذلك المدافعين عن حرية الإنسان وحقوقه، وهو الأمر الذي ساهم بشكل مباشر في اندلاع انتفاضة السوريين ضد النظام المستبد والجائر.
ففي هذا الزمن بات يقاس تطور الدول بمدى سيادة القانون واستقلال قضائها، على اعتبار أن الدولة في المجتمعات الحديثة تخضع للقانون، فلا يمكن أن تقوم سيادة القانون أو تتحقق إلا حيث يكون الإقرار بحقوق الإنسان واحترامها متوافراً على أكمل وجه، وكما قال رئيس مجلس شورى الدولة الفرنسي السابق رينيه كاسان: “وإنه لأمر جوهري أن يحمي هذه الحقوق نظام قانوني، حتى لا يكون المرء مضطراً في النهاية إلى الثورة ضد الطغيان والظلم”.
فالسلطة القضائية لا يمكنها لوحدها أن تحقق العدالة وتحفظ الاستقرار والسلم الأهلي، إلا إذا ما وضعت السلطات القائمة نفسها تحت أمرة القانون، واحترمت حرّية وحقوق جميع المواطنين والمواطنات، وآمنت بأن المواطن يشكل أساس كل التعاقدات الاجتماعية والسياسية. ومفهوم العدالة لا يخرج عن هذا الإطار بل يكرّسه. يقول الفليسوف الألماني إيمانويل كانط: “تعتبر العدالة الإنسان الأساس المحوري لأي تنمية مستديمة، باعتباره كائناً مستقلاً قادراً على أن يحدد بنفسه القانون الذي يجب أن يخضع له”، وفكرة “سلطان الإرادة” مستبطنة من عمق مفهوم العدالة، غير أنه لا يمكن للإنسان أن يطمئن إلى جهاز عدالة إلا إذا كان هذا الجهاز يقرُّ له فعلياً حق المساواة بين الفقير والغني؛ صاحب السلطة ومفتقدها، العالم بالقانون والجاهل به.. وبعبارة أوضح وأدق: أن تحفظ هذا العدالة كرامة الإنسان باعتبارها تشكل الدافع الأساسي لتقدم وازدهار العدالة.
وفي دولة القانون، تقتصر سلطة الدولة على حماية المواطنين من الممارسة التعسفية للسلطة. في دولة القانون يتمتع المواطنون بالحريات المدنية قانونياً، ويمكنهم استخدامها في المحاكم. و لا يمكن لبلد أن تكون فيه حرية وديمقراطية بدون أن يكون فيه أولاً دولة قانون.
وإن حقوق الإنسان لا يمكنها أن تترسخ في سوريا إلا إذا ما ضمنّا لقضائنا وقضاتنا الحرمة والفعالية، والخضوع لأحكام القضاء، يضاف إليها تنمية روح الحرّية واحترام القانون لدى الحكام والمحكومين على السواء. فما قيمة النصوص والقوانين إذا خمدت روح الحرية واحترام القانون وحقوق الإنسان في قلوب الناس؟ فالحرية تعلو بالإنسان، وبدونها لن نستطيع أن نفتح باباً، أو نرفع ظلماً أو نصدّ عدواناً.
باختصار، إن ضمان قيام سلطة قضائية قوية وفاعلة وفعّالة ومستقلة، تؤمن أن حرّية الإنسان تشكل الأساس الذي ترتكز عليه في كل قراراتها وأحكامها سيساعدنا كثيراً في إعادة بناء سوريا المستقبل بعيداً عن أي استبداد أو تطرف.
مجلة مستقلة، تعنى بشؤون الثورة السورية، نصف شهرية، تطبع وتوزع داخل سوريا وفي عدد من مخيمات اللجوء والتجمعات السورية في الخارج