Site icon مجلة طلعنا عالحرية

أنا والجيش

حسن عارفة

بين عامي 1997 و 2002، كنتُ على عداء كرويٍ كبير مع نادي “الجيش السوري”، الذي هيمن على بطولة دوري كرة القدم لأربعة أعوامٍ متتالية، بتشكيلته المدججة بأفضل اللاعبين، وغالباً ما قهر فريق الوحدة الدمشقي الذي كنت، ولا زلت، أحبّه وأشجعه.

لم تقف هيمنة فريق الجيش على البطولة، بل كان معظم لاعبي المنتخب من أعضائه. وقتها كان الجيش مغناطيس أهم اللاعبين السوريين، لكن ليس لأنه عريق، أو يدفع أموالاً كبيرة، أو لأنه متميز عن باقي الفرق السورية بأكاديميته وتدريباته وعقوده وما إلى ذلك.. لكن، الخدمة فيه كانت إجبارية! وكما الشائع في تلك الأوقات، وكما كنّا نسمع في الشارع، أي لاعب سوري في أي ناد، يُطلب للخدمة العسكرية بجيش النظام، عليه أن يقضي أوقات خدمته بين أروقة نادي الجيش. وهو خيار مفضل لدى أولئك اللاعبين.

بقي كرهي لكلمة “الجيش” ملازماً لي، لكن توسّع، ولم يعد يقتصر على الكره الرياضي، في أول تجربة صحفية عام 2008، ودخولي في ساحة المهنة، اصطدمت بالثالوث المحرم صحفياً في سوريا، “الجنس، الدين، السياسة”، كان علي، وعلى غيري من المبتدئين والمحترفين بعالم الصحافة، الرقص بأخبارهم ومقالاتهم بعيداً عن تلك الخطوط، لكن ثمة خط أخطر! هو “المؤسسة العسكرية في سورية”.

بعد قبض حافظ الأسد على السلطة عام 1971، وكسره لعظام حراك السوريين وحراك الإخوان المسلمين في الثمانينات، أصبحت المؤسسة العسكرية الخط الأحمر الأكبر في البلاد، وخاصة صحفياً؛ فجمجمة “خطر الموت” بانتظار من يقترب من هذه المؤسسة. وكذلك، عتم الزنزانة وما فيها من ويلات بانتظاره.

 كلنا كسوريين، كنا نعرف أن معظم ميزانية بلدنا تذهب للجيش والقوات المسلحة، لا أحد يتجرأ على السؤال عن نتائج هذه المقدمة، ومجرد التفكير بهذا الأمر كان لا يخطر على بال أي صحفي عامل في سوريا.

تراكم الحقد عندي على هذه المؤسسة، من كرة القدم، إلى كونها عقبتي الأكبر بعد الجامعة، مروراً بأنها الخط الأحمر الأكبر الذي لا أستطيع التفكير فيه كصحفي، وإلى مشاهدة ماكينتها تدور لتضرب درعا وحماة والمدن الأخرى التي ثارت.

جاء موعد انضمامي للمكان الذي أكره، ففي تاريخ 7-11-2012 كان موعد سحبي لخدمة العلم، فليس لدي خيارات أخرى سوى ترك دمشق؛ ذاكرتي، حياتي، انتمائي، وكل ما عندي. أجبرني جيش بلدي على ترك بلدي! ولا عودة، إلا بالانضمام له، أو دفع 8 آلاف دولار لخزانه المليء بالبراميل التي تقتل المدنيين.

في سنوات الجامعة، كنت كأي شابٍ سوريٍ آخر، معظمنا كسرنا ما قاله نابليون بونابرت، القائد العسكري الفرنسي الذي عاش بين عامي 1769 و1821، وأكد أنه يخاف من قاعات الامتحان أكثر من ساحات المعارك. بيد أننا كنا نخاف من الجيش بعد الجامعة، أكثر من قاعات الامتحانات كلها!

كل ما سبق يمكن تجاوزه، لكن بعد الثورة عام 2011، صرنا نرى جيشنا في شوارعنا. يهاجم من ينادي ضدّ بشار الأسد؛ يدمر ما يدمر. يعفّش ما يعفّش، ويقوم بما يستطيع لحماية قائده. وللحديث عن أفعال الجيش في هذه الحقبة، أحتاج إلى صفحات كثيرة قد لا يتّسع لها أي موقع الكتروني!

Exit mobile version