مريم الحلاق
قصة حقيقية من القلمون السوري
الزواج الأول
في تلك القرية الصغيرة التي تحتضنها جبال القلمون وُلدت أمل. رضيعة كانت حين حملها الشيخ ذو اللحية الطويلة ونظر إلى وجهها الأبيض، وقال ستكونين من نصيبي! دُهشت الأم وتساءلت كيف؟! هي رضيعة، وعمرها لايتجاوز الشهرين، وأنت رجل كبير ولديك زوجات وأولاد! نظر الشيخ إليها وهزّ رأسه وغادر.
مرت سنوات تسع على تلك الحادثة، وإذا بالشيخ يعود لزيارتهم قادماً من قريته القريبة. دخل الدار، وكان قد لمح أمل تلعب على باب البيت. قامت أمها بواجب الضيافة وقدّمت الطعام والشراب للشيخ، بينما كان الأب والشيخ يتحادثان، أنهت عملها وعادت لتجالس زوجها والضيف، وإذا بزوجها يطلب منها المباركة للشيخ بخطبته لأمل! صرخت الأم: أمل مازالت طفلة، كيف تزوجها؟ أجاب الأب: سيصبر عليها حتى تبلغ.
بكت الأم، وقالت: ليصبر عليها وهي في بيتنا، لكن نظرات الأب أسكتتها.
قال الشيخ سأعود يوم الخميس لآخذ زوجتي، وغادر بعد أن نقدهم مبلغاً بسيطاً لشراء ملابس للعروس.
حاولت الأم ثني الأب عن هذا الزواج غير المتكافئ، ولكنه أقنعها بأنّ النبي محمد تزوّج عائشة وهي في عمر ابنتها. جهّزت الأم العروس (الطفلة) بما يلزمها، وأقامت لها حفلة صغيرة لتوديعها، جاء في نهايتها الشيخ العريس ليصطحب عروسه.
استقبلت العروس الصغيرة زوجات الشيخ الثلاث وأولاده العشرة بالزغاريد وأدخلنها غرفة خاصة بها.
إلى ذلك الحين أمل مازالت تظن أنها تلعب دور العروس في لعبة (عريس وعروس) وستخلع عنها الثوب الأبيض وتعود لتنام في حضن أمها.
لم يقترب العريس من عروسه فهو سينفذ الاتفاق الذي أبرمه مع والدها، لن يقترب حتى تبلغ أنثاه ويأتيها الطمث.
مرّت سنوات ثلاث وأمل تعيش كإحدى بنات زوجها السبع تلعب معهن وتقضي معهنّ أوقاتها، كانت “جواهر” وهي الزوجة الثالثة تهتم كثيراً بأمل فهي لم ترزق بأولاد فكانت أمل كابنتها. في صباح كل يوم توقظها، وتسرّح شعرها، وتجمل ضفائرها بشرائط ملونة، وتصبغ وجنتيها باللون الوردي وعيناها بالكحل العربي.
إلى أن استيقظت أمل ذات صباح لتجد ثيابها الداخلية ملوثة بالدم فهرعت إلى جواهر لتعلمها ففاجأتها بزغرودة اجتمعت نسوة الدار حولهما حين سمعنها، وأدركت الزوجات وبنات الزوج ماحصل؟ في حين هرعت الزوجة الأولى لتزف البشرى للشيخ العريس.
بعد أسبوع كانت أمل على موعد مع الزواج الحقيقي في هذه المرة. هيأت جواهر العروس باللباس والزينة والطيب وأدخلتها للخلوة الشرعية مع عريسها الذي يكبرها بخمس وأربعين عاماً.
فزعت حين رأته وقد خلع عمامته وتجرّد من قفطانه، فمنذ الليلة ستكون زوجته المفضلة التي يسكن إليها. مرّت شهور ثلاثة على زواج أمل والكل يحسدها على محبة واهتمام الشيخ بها، ولكن ذلك لم يدم فقد استيقظت صبيحة ذات يوم لترى زوجها إلى جانبها جثة هامدة.
استيقظ الجميع على صراخها ونحيبها، وألبستها جواهر الثوب الأسود، ولوّنت وجهها بالأسود، لمَ لا، وهي العروس الأرملة ذات السنوات الاثنتي عشرة!
مجلة مستقلة، تعنى بشؤون الثورة السورية، نصف شهرية، تطبع وتوزع داخل سوريا وفي عدد من مخيمات اللجوء والتجمعات السورية في الخارج