يوسف صادق
أطفال سوريا يعبرون العالم دون حدود، يصلون إلى أمهاتهم المحررات من قيود المنفى والتشرّد والسجن والأيديولوجيا..
هو حلم شقيّ، هو رؤى الصدّيق بعد سبعٍ أو عشرٍ أو أكثر من السنوات العجاف، يصنعون من خيام الشتات طائراتٍ ورقية ويحلّقون، يرصفون من حطام بيوتهم ومدارسهم طريقاً إلى المجهول، يستيقظون.. أو نستيقظ نحن في حلم (أمل) الطفلة السورية الدمية!
كم نحتاج إلى الحلم كما نحتاج إلى الجنون، لنغيّر هذا العالم البليد، حسب الحلم، أنّ روحاً ما تزال ترفّ فوق أنظار بني البشر، لتذكّرهم بالجريمة.
طيف حمزة الخطيب وتامر الشرعي يرسم الـ (لا) الرافضة لإسكات أصوات الكرامة، صور عمران الخارج من ذهول عالمه لذهول عالم يراه خارجاً من أدغال الركام، وسريرٌ من الموج لإيلان ينام هانئاً من تعب الحدود وهي تضيق على حلمه.
أمّا نهلة التي نسيَتْ أن تخلع سوار قيدَيْن قبل أن تنام؛ قيد النزوح والحرمان ومفتاحه الذي تناساه العالم في جيب الطاغية! وقيد أيديولوجيا الاضطهاد والنكوص، والتي ما زالت تقيّد أصحابها خارج التاريخ والحياة، قبل أن تمنع الشمس من الرقص فوق أكفّ وضحكات أطفالنا.
أمل السورية الدمية، هي الروح، هي الحقيقة في عالمٍ يتحرك كالدمى، بلا روحٍ، يُقيَّد البشر بسلاسل من عبوديةٍ جديدة، عبودية المصالح، عبودية العجز، عبودية الخوف، عبودية الجهل، عبودية الأيديولوجيا بكل أشكالها الدينية والطائفية والفئوية.
هي حكاية لكل طفل وطفلة سورية، حكايةٌ تُروى لأطفال العالم قبل أن يناموا، وهم يحلمون.. في أيّ كوكبٍ حدثت هذه الأساطير، وفي أيّ زمن؟
عمر أمل تسع سنوات، وعمر حكاياتنا الكثير من السماوات والكثير من التناقضات. حملت أمل حلم كل طفل سوري وعبرت به حدود ثماني دول، شاركت أطفالها احتفالاتهم، وأوصلت أصوات 1.8 مليون إنسانٍ يطالب بتخفيض الانبعاثات المُسببة للاحتباس الحراري!.. لكنها لم تطلب في المؤتمر الدولي حول المناخ، أن يلتفت العالم للاحتباس الحراري للجريمة في سوريا.
قد يُقال كفانا الانطلاق من الاضطهاد، أو كفانا الانغلاق عليه.. فالانغلاق على الاضطهاد لا يُولّد إلّا اضطهاداً أشدّ على الذات، لكنّ أمل لم تقل إنّ السوريين هم وحدهم الشهداء، وهم وحدهم مَن يعيشون الظلم والقتل والتشرّد، بمشاركتها لكلّ قضايا العالم تثبت رسالة المحبة والإنسانية، رسالة الأديان والفلسفات، رسالة المصير المشترك لشعوب العالم. ومشاركتها دليلٌ أنّ العالم ليس عادلاً، وقضية السوريين جزء من هذا الاحتباس الحراري الذي يخشاه العالم المتحضّر، وجزء من هذا الانغلاق على الوباء، وقد أعاد العالم إلى انغلاقاتٍ جديدة.
العالم يغلق حدوده بوجه الآلاف بل الملايين ممّن يحلم بالحرية وكرامة العيش، ذاك العالم ذاته من يستثمر ويستغل قضية أولئك، أو يحاول إبعادهم عن أراضيه وشعوبه المقدسة!.. تلك هي مفارقات وتناقضات هذا العالم، تجمعها أمل برمزية عبورها، ورمزية هويتها، ورمزية مشاركتها وفاعليتها
ليس هذا التناقض الوحيد الذي تمرّ به أحلام السوريين!
قدر أمل أن تعبر بأحلامهم مثل سرب طيورٍ يهاجر بين شتاءين، بين قرارات مجلس المصالح والتأديب العالمي، وقراراته الرافضة لحقوق السوريين وأحلامهم بحياة أفضل، وبين ترحيب إنساني لا يملك الفيتو، لا يملك سوى أن يقدّم السلل الغذائية دون أن يجرؤ على النظر بأعين الأطفال.
قالت لهم أمل: “في كل ثماني ساعات يُقتل أو يُصاب طفلٌ سوريّ، وتسعون بالمائة من الأطفال بحاجة للدعم النفسي والاقتصادي”.
قالت لهم: “يحتاج أكثر من مليوني طفل لمدرسته التي دُمرت أو تحوّلت لثكنة عسكرية، وقالت لهم.. إنّ الأطفال السوريين يُولدون بالآلاف خارج انتمائهم دون أن يعترف بهم أحد.
وقالت وقالت.. ولكن كلّ ما قالت حكايات يعتبرها ساسة العالم خرافةً أو كراهيةً لعالم يحكمه الكبار.
أمل الدمية قالت ما لم تقله المعارضات السورية في الداخل والخارج! حسبها توحيدها لحلم الطفولة، بينما ما يزال الساسة المعارضون يقفون على الحدود، وعلى الموائد، ويرفعون أعلاماً فوق أحلام من يُمثّلون.
لم ترفع أمل علماً أو تجمع مالاً، لم تتكلّم بلغة دين أو طائفة، ولم تفرّق بين حلم طفل وآخر. لم تُسكت أحداً رغم رشقها بالحجارة في بعض الدول.
أمل تحمل رسالة المحبة، والمحبة تتجاوز الأحقاد، تتجاوز الخلافات والعصبيات والأيديولوجيات.
فمَن هو الدمية إذاً؟ّ أمل بما تحمله من أملٍ وحلمٍ لكل طفل وطفلة؟ أم أولئك الساسة المقيّدون بحبال مجهولة المصدر، فإن كانوا يعرفون مَن يحركهم، أو يجهلون اللعب في مسرح العرائس العالمي، فكلا الأمرين طامّةٌ كبرى.
المفارقة أنّها ليست فكرة سورية، بل فكرة المحبة العالمية، هل ما ينقصنا هو كيفية تحويل خطاباتنا السياسية إلى رسائل محبة؟ هل ما ينقصنا هو قوة الحلم، لتجاوز سياسات المصالح العالمية؟ هل ما ينقصنا هو حلم أو جنون يكسر قيود الإبداع لدى السوريّ؟
أمل هي رحلة الصعود من العالم السفلي، من الجحيم، رحلة البحث عن الأم السورية، المرأة السورية الثكلى، ولربّما الأكثر ألماً في تاريخ الأنثى العالمي.
أمل الخارجة من أحلام المعتقلات، ومن شوارع المظاهرات، ومن حناجر الساروت وسميح شقير… تسأل عن بقيّة الروح؟ عن الفكرة الباقية؟
أمل الدمية حينما تتجاوز الحدود، تدعونا لتجاوز حدودٍ وقيودٍ صنعناها بأيدينا وعقولنا، بتشرذم معارضاتنا وسياسيينا، وفي انقسام مصالح العالم الدنيء.
تدعونا لكسر قوقعاتنا بأن لا نبقى أسرى الوهم، أسرى الإعانات والمكرمات، أسرى المحاصصات والتجاذبات، أسرى السجون والشقاء في عقولنا.
فهل وصلت رسالتها؟
هل قرأت المعارضات رسالتها للبرلمان الأوروبي؟ أم ما زالوا ينتظرون على أبواب الكرملين والبيت الأبيض!
حسبها أنها تحمل حلم كل طفل سوري، خارج حدودٍ لم يكن له يدٌ فيها، حسبها أنها تجوب بخيالاتهم لتذكّر العالم بجريمته.
مجلة مستقلة، تعنى بشؤون الثورة السورية، نصف شهرية، تطبع وتوزع داخل سوريا وفي عدد من مخيمات اللجوء والتجمعات السورية في الخارج