فبعد انسحاب القوات الحكومية من شمال شرق البلاد صيف العام 2012، سيطر حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الرفيد السوري لـ «حزب العمال الكردستاني PKK» تدريجياً على المنطقة الممتدة من ريف حلب، كوباني وعفرين، مروراً بمنطقة رأس العين أو (سري كانيه كردياً) وتل تمر والدرباسية وعامودا، إضافةً الى القسم الأكبر من مدينتي الحسكة والقامشلي مع ريفيهما، وانتهاءً بالمالكية أو (ديركا حمو) بحسب التسمية الكردية لها.
حزب الاتحاد (PYD) وبالتحالف مع قوى سياسية كردية وعربية وأشورية- مسيحية، أعلن نهاية العام الماضي عن الإدارة الذاتية المشتركة والتي تتمتع باستقلالية لامركزية وقسمت المنطقة لثلاث كانتونات: مقاطعة الجزيرة ومقاطعة كوباني ومقاطعة عفرين.
“المنطقة مقبلة على تغييرات كبيرة في الخرائط السياسية”
“كل المعطيات والمؤشرات تنبئ أن المنطقة مقبلة على تغييرات كبيرة في الخرائط السياسية، فمن الضروري على الاطراف الكردية إيجاد صيغ ادارية وسياسية تناسبهم للتعايش مع هذا الواقع الجديد والمربك”. والكلام للصحفي كمال اوسكان وهو من مواليد الدرباسية -محرر في مجلة صور إحدى المجلات التي صدرت بعد الثورة السورية- فبعد سيطرة تنظيم «الدولة الاسلامية» على مساحات شاسعة والغائه للحدود السياسية، بات يشرع ما يشبه “دويلة” تمتد حدودها من ريف حلب مروراً بكل من الرقة ودير الزور وصولاً الى محافظة نينوى والموصل كبرى مدن العراق.
ويشرح اوسكان لـ (طلعنا عالحرية) أنّ “حدود هذه الدويلة الاسلامية تحيط بالمناطق الكردية والتي فصلتها عن عمقها السوري”. وأردف أنه “في ظل غياب أي اعتراف علني بحقوق الكرد في سورية من قبل النظام والمعارضة حتى الآن، يبدو أن الواقع فرض نوع من التقسيم نتيجة تموضع وسيطرة كل جهة عسكرية على مناطق جغرافية محددة، يديرها وفق آليات وصيغ معينة”. اوسكان أشار صراحةً أنه “قد تكون الفيدرالية إحدى هذه الصيغ المناسبة للعيش الجديد، وقد تكون آخر المحاولات”.
أكراد سورية يشّكلون القومية الثانية بعد العرب. وبحسب إحصاءات غير رسمية يقدر عددهم حوالى مليونين ونصف مليون نسمة، وتشكل نسبتهم 12 في المئة من التعداد السكاني العام للبلاد. وتعرضوا خلال عقود سيطرة حزب البعث وحكمه للبلاد لأشكال مختلفة من التمييز، إلا أن المعارضة السورية لم تستطع احتواءهم وضمهم إلى كياناتها واطرهم السياسية إلا مؤخراً. وبعد انضمام المجلس الوطني الكردي الى الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، بقي حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي-الحزب الكردي الوحيد الذي لديه جناح عسكري- في هيئة التنسيق الوطنية.
المحامية دلشا آيو من مواليد راس العين تعمل في مجال حقوق الانسان منذ عقدين. ترى أنه “يجب الإقرار الدستوري بالشعب الكردي في سورية”، وأخبرت (طلعنا عالحرية) أنه “على الآخرين عدم الولوج في هذه الناحية لأنها حقيقة موجودة ولا تحتاج الى إقرار قانوني. المحامية دلشا شددت أن “الاكراد يعيشون على أرضهم التاريخية وهذه المسألة ايضاً يجب إقرارها دستورياً”، وعن انتمائها القومي اضافت “عندما اتكلم اللغة الكردية وألبس الزي الكردي وأذهب إلى عيد النيروز القومي -رأس السنة الكردية- هذه خصوصية قومية ومن حقي التعبير عنها”، وعن مطالب الأكراد القومية لفتت الناشطة الحقوقية “ما المشكلة أنْ يكون لدينا إدارة ذاتية, ومن حق أي كردي أن يحلم بتوحيد الاكراد واندماجهم في دولة واحدة, كما يحق لكل عربي حلمه بوحدة الوطن العربي”.
موقفهم من التنظيمات الجهادية
يروي سكان مدينة رأس العين وتقع في أقصى الشمال السوري المحاذية للحدود التركية، قصصاً وحكايات عن الانتهاكات والفظائع التي ارتكبتها التنظيمات الجهادية المتطرفة، وعلى رأسها تنظيمي «الدولة الاسلامية» و«جبهة النصرة» عندما قررت في نهاية العام 2012 تحرير المدينة من بقايا القوات الموالية للنظام السوري. فبعد معارك أستمرت لثلاثة أيام، أعلنت تلك التنظيمات سيطرتها على المدينة، وأذاعوا من على منابر الجوامع، عبارات متشددة أشهرها “سلّم نفسك تسلم”، بينما كان شعار “مالكم مالنا وحلالكم حلالنا”، الأكثر تطرفاً.
وسط هذه الانتهاكات برز الزعيم وهو رجل في عقده السادس من “سري كانيه”، يرتدي زيّاً كردياً، شبيهاً بملابس «قوات البشمركة الكردية» في إقليم كردستان العراقي. يعتبر الزعيم أول كردي حمل السلاح في وجه التنظيمات المتشددة، ويروي لـ (طلعنا عالحرية) أنه “في عصر 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2012، شكّلنا أول مجوعة كردية مسلحة مؤلفة من 12 متطوعاً من أبناء المدينة لمحاربة الكتائب المتطرفة”. وتابع بكلامه قائلاً: “لقد قررنا الدفاع عن أهلنا وشرفنا، هم جاؤوا للسيطرة على هذه المدينة لأنها كردية، ونحن دافعنا عن وجودنا وتاريخنا وإرثنا”.
مدينة رأس العين خليط سكاني من الاقليات، ويعيش فيها الكرد والعرب والأرمن والتركمان والمسيحيين والايزيديين منذ مئات السنين. وتكمن أهميتها الاستراتيجية كونها المعبر الوحيد مع الجارة تركية، كما تصل أراضيها الشاسعة مع “عاصمة الخلافة الاسلامية” مدينة الرقة، وباقي المناطق في الشمال السوري التي يسيطر التنظيم عليها.
“احتلت التنظيمات المتطرفة سري كانيه بحجة تحريرها من النظام السوري، وجاءوا ليحتلوها، وقام مقاتلوهم بنهب وسرقة ممتلكات سكانها واعتدوا على كرامات الناس”. بحسب ما لفت محي الدين عيسو الناشط في مجال حقوق الانسان لـ (طلعنا عالحرية)، وجزم بأنّ “تلك التنظيمات لا حاضنة اجتماعية أو شعبية لها في المناطق الكردية من ناحية، وللاختلاف الجذري بين قيم وعادات المجتمع الكردي عن قيم التنظيمات الجهادية من ناحية ثانية”.
من جانبه، شدد الصحافي سير الدين يوسف، وهو من أبناء مدينة القامشلي أن “أكراد سورية معنيون بالدرجة الأولى بحروب داعش ومشتقاتها، كونهم أول مَن حاربوا هذه التنظيمات على صعيد المنطقة، وقدموا أكثر من 500 شهيد في سبيل حماية شعبهم من هؤلاء الجَهَلة والمتخلّفين”. ونوه لـ (طلعنا عالحرية) أنه “لا يوجد كردي يريد الحرب، لقد سئمنا من الحروب، نحن نعشق الحياة والعيش بسلام مع الاخرين، وجميع الحروب فرضت علينا وداعش ليست استثناءً، هم غزو غرب كردستان”. إشارةً إلى المناطق ذات الغالبية الكردية في سورية.
صحفي سوري، عمل مراسلاً لعدة وكالات دولية وكتب في صحف عربية وغربية ومواقع سورية.