Site icon مجلة طلعنا عالحرية

أكراد سوريا بين شقي الرحى..

خيانة أمريكية وضغوط روسية على وقع التهديدات التركية

باتت الحالة السورية معقّدة، ولم يعد بالإمكان التكهن بمجريات الأحداث، لسبب رئيسي مردّه تقاطع مصالح اللاعبين الدوليين والإقليميين وتعارضها بنفس الوقت على الأرض السورية. لكن يمكن القول بأن التفوق النوعي -للجندي الأمريكي- اليوم يجعل من الإدارة الأمريكية الأكثر قدرةً على التحكم في سير الأحداث والضغط على باقي الأطراف المتناحرة.
القيادة الكردية في شمال شرق سوريا والذين أزعجهم قرار واشنطن بالانسحاب من بلدهم؛ طلبت تدخل روسيا وحليفتها دمشق وإرسال قوات على وجه السرعة لحماية الحدود من الهجمات التركية، واستجابت موسكو للدعوات الكردية. وفي حديثه إلى مجلة طلّعنا عالحّرية، ولدى سؤاله عن بنود الاتفاق، قال المسؤول الكردي الدار خليل، أحد أبرز مهندسي الإدارة الذاتية التي تدير مناطق شرق الفرات: “إن اتفاقاً عسكرياً مبدئياً مع دمشق سيقتصر على انتشار الجيش على طول الحدود”، لكن الجانبين -الإدارة وحكومة النظام السوري- يتباحثان حول باقي القضايا السياسية والإدارية والعسكرية، وأوضح بأن الاتفاق يقضي بدخول القوات الحكومية لحماية المناطق الحدودية من بلدة منبج إلى ديريك في أقصى شمال شرق البلاد، واعتبر بأن: “حماية الحدود هو واجب أصيل يقع على كاهل الجيش السوري”.
وأبرمت القيادة الكردية اتفاقاً مع الحكومة السورية في 13 من شهر تشرين الأول – أكتوبر الماضي برعاية روسية، يجيز انتشار قوات حرس الحدود على طول الشريط الحدودي بعد انسحابها منه نهاية 2012، إثر قرار الولايات المتحدة سحب جنودها من المنطقة. وكان ضوء أخضر أمريكي للعملية التركية التي شنتها أنقرة في 9 من شهر تشرين الأول – أكتوبر الفائت.
وعلى الرغم من انتشار القوات النظامية الموالية للأسد والشرطة العسكرية الروسية في معظم مدن شرق الفرات، يؤكد مسؤولو الإدارة الذاتية بأن هياكل الحكم المحلية ستتابع عملها، كما يقول القيادي الكردي الدار خليل: “المدن الكردية وجميع المناطق التي تم تحريرها على أيدي (قوات سوريا الديمقراطية) ستديرها الإدارة الذاتية. لن يتغير شيء في شكل الإدارات وعناصر الأمن بالمدن لأن الاتفاق يقتصر على الحدود فقط”.
وإذا أُبرم اتفاق شامل بين الإدارة الذاتية وحكومة النظام السوري فإنه سيوحِّد مجدداً أكبر منطقتين في البلد، وسيترك منطقة واحدة في شمال غرب البلاد في أيدي جهات إسلامية وفصائل المعارضة المسلّحة المناهضة للأسد، ولفت الدار خليل: “مذكرة التفاهم الموقعة مع دمشق خطوة لعقد اتفاق نهائي مستقبلاً”.
وعلى الرغم من أن الحكم الذاتي الذي يريده الأكراد يتعارض بشكل واضح مع ما تريده دمشق، فقد تجنبت القوات الكردية إلى حد بعيد الصراع المباشر مع القوات الحكومية الموالية للأسد خلال الحرب الدائرة في البلاد، بل وفي بعض الأحيان كانت تقاتل خصوماً مشتركين كتنظيم داعش الإرهابي.
ويرى الدكتور شوقي محمد الخبير في اقتصادات الطاقة والنفط في حديث لـطلعنا عالحريّة، أنه “يمكن القول بأن التفوق النوعي يجعل من الإدارة الأميركية الأكثر قدرة على التحكم في سير الأحداث والضغط على باقي الأطراف، وتعد صمام الأمان لهذه المنطقة”، فمن جهة رسالة قوية لحكومة النظام السوري وحلفائها إيران وروسيا، بأن انسحابها سمح للقوات التركية وفصائل موالية من الجيش الحر بدخول المنطقة، “وفي الوقت نفسه رسالة للجانب التركي بأن وجودها يعني عدم قدرة الجيش السوري على السيطرة على المنطقة التي انسحب منها أواخر 2012، وهو يعود اليوم باتفاق مع الأكراد”.
وأوضح الأكاديمي شوقي محمد أنّ الحل الأمثل هو “الاستمرار بالتفاوض بين الأحزاب الكردية والحكومة السورية، برعاية دولية، خصوصاً روسيا، لعلاقاتها المتميزة مع دمشق، وبناء أرضية سليمة للتفاوض، عبر رسائل ثقة والتعامل بمبدأ الوطنية لا العقلية الأمنية أو العروبية”، مشيراً إلى أنّ وثائق وأدبيات حزب “الاتحاد الديمقراطي” والإدارة الذاتية لم تشر إلى الانفصال. فلطالما كرَّر مسؤولوها حرصهم على وحدة الأراضي السورية، والتمسك بالحوار السوري- السوري، “فضلاً عن أن الأكراد لا يجدون أنفسهم خارج حدود الوطن”، واعتبر أن أي اتفاق بين الإدارة الكردية والحكومة السورية سيخدم الطرفين “لحماية (قسد) من الهجوم التركي بعد اجتياح المنطقة واستعادة المناطق التي خسرتها، كما سيخدم الحكومة السورية من خلال عودتها للمنطقة الثرية والغنية بالموارد، وبسط سيطرتها على الثروات المائية والحقول النفطية”.
فأكراد سوريا يتفاوضون على مجموعة مطالب أبرزها اعتراف دمشق بهياكل الحكم المحلية في سبع مدن رئيسية شكلوا فيها إدارات ذاتية، تقع 5 منها شرقي نهر الفرات، ومنبج الواقعة غربي الفرات والطبقة جنوبي النهر، إلى جانب اعتراف الأكراد بوجود جيش موحّد للدولة على أن تكون (قوات سوريا الديمقراطية) جزء من الجيش الوطني، ويكون لها خصوصية نظراً لانتشارها في معظم مدن وبلدات شرق الفرات. كما يطالبون بالاعتراف الدستوري بالأكراد كمكون رئيسي من مكونات الشعب السوري، وتحديد موازنة مالية لمناطق الإدارة الذاتية ومنها المدن الكردية، والاعتراف باللغة الكردية في مناهج التعليم بالمناطق ذات الغالبية الكردية.

Exit mobile version