يواجه العاملون في المجال الإعلامي داخل سوريا، مخاطر عديدة وكثيرة، تبدأ بكم أفواههم، فاختطافهم واعتقالهم، ولا تنتهي بتعذيبهم أو نفيهم وأحياناً، قتلهم!
بعيداً عن مناطق سيطرة النظام السوري، التي هي أساساً مناطق لا تحتمل رأياً صحفياً غير موالٍ للنظام ولا بأي طريقة، ثمة جهات أخرى قد لا تقل خطورةً عن تلك الأماكن. يبرز المشهد في ادلب وريفها حالياً، وريفي حلب الشمالي والغربي؛ فهناك آخر المناطق التي يفترض أنها بقيت للمعارضة السورية. لكن لسلطات الأمر الواقع رأي مختلف.
عماد (اسم مستعار) أحد الناشطين الإعلاميين العاملين في مناطق شمال وغرب سوريا، خاض تجربة الاعتقال لدى مختلف الجهات المتصارعة في سوريا، وهو يعمل حالياً بحرص وحذر شديدين، وبسرية كبيرة، تفادياً لأي اعتقال جديد.
في عام 2017 اعتقلته هيئة تحرير الشام، حول ذلك يقول: “اعتبروا عملي بنقل الأخبار تجسساً لصالح حركة أحرار الشام، واتهموني أني إعلامي لدى الحركة، رغم أني أعمل كمستقل.. تعرضت للتعذيب كثيراً، ناهيك عن الإهانات اللفظية. وحين سألوني عن أنني أعمل مع الأحرار أجبتهم بالنفي، فقاموا بضربي، وقلت لهم أنتم أخوة النظام السوري بالتعذيب”.
تحتوي سجون الجهات المسيطرة في سوريا، الكثير من أساليب التعذيب، ودائماً تتلقى معتقلين جدد. اعتقل الشاب عماد أكثر من 7 مرات خلال عمله في الإعلام بعد انطلاق الثورة السورية عام 2011، يؤكد أن إحدى أصعب تجارب الاعتقال كانت عند وحدات حماية الشعب الكردي في عين العرب كوباني؛ وقتها تم اعتقاله خلال عمله.. “إنه أصعب من كل تجارب الاعتقال، استخدموا بتعذيبي الكهرباء والضرب المبرّح لساعات طويلة، أحياناً 6 ساعات من الضرب، وبقيت معتقلاً عندهم مدة شهر ونصف” يقول عماد.
مخاطر كبيرة إذاً تحيط بكل من يحمل كاميرا ويتسلّح بقلمه وحاسوبه في سوريا، فالصحفي والعامل في هذه المهنة مُتّهم حتى يثبت تأييده لسلطة الأمر الواقع في المنطقة التي يعيش فيها!
عماد عاش تجربة اعتقال جديدة هذا العام في إحدى مناطق الشمال السوري، لمنعه من العمل، حول ذلك يوضح: “طبعاً لم يعلنوا عن أنفسهم، طلبوا مني توقيف العمل كاملاً، تعرضت للضرب والتهديد بالقتل، أعتبر هذا (سياسة تطفيش) لإخراجي من البلد”، لكنه يتابع: “لن يقدر أحد إخراجي، وسأستمر بعملي”.
وتستمر بدورها الانتهاكات بحق الإعلاميين، إذ لا يمر شهر إلا ويوثق المركز السوري للحريات الصحفية العديد من الانتهاكات، ففي آخر تقرير للمركز التابع لرابطة الصحفيين السوريين، أكد “توثيق وقوع 16 انتهاكاً ضدّ الإعلام في سوريا خلال شهر آذار الماضي، في ارتفاع ملحوظ عمّا تم توثيقه خلال شهري كانون الثاني (انتهاكين) وشباط (9 انتهاكات)”.
لكن هذه المخاطر والمصاعب لم تثنِ عماد وكثيرين غيره عن تأدية الواجب. يقول عماد: “الذي يخاف ويسكت على انتهاكات أي فصيل أو أي جهة كانت، من الأفضل أن يسكت عن انتهاكات النظام أيضاً! ومن لا يسكت على كل الانتهاكات فهو من ثوار عام 2011 الذين رفضوا السكوت للنظام، وعاشوا تجربة الهروب من الأمن والاعتقال والتعذيب، الذين يسكتون عن الانتهاكات هم جدد على الإعلام ويمارسون الإعلام كمهنة لدرّ المال فقط، وليست لخدمة القضية”. ويختم عماد حديثه: “رسالتي لكل شخص إعلامي ألا يسكت عن الانتهاكات.. اليوم الدور على غيره وغداً عليه”.
صحفي سوري مستقل، وخريج كلية الإعلام بجامعة دمشق. عمل في الصحافة منذ عام 2008 ونشر في العديد من المواقع والصحف العربية والعالمية.