خفر السواحل التركية يغرِق مركبًا للاجئين سوريين فيقتل 30، ثم يعتقل البقيّة ويرحّل كثيرًا منهم إلى سوريا.
كان يمكن أن ينتفض الناس، ويشارك جميع الناشطين بحملات للدفاع عنهم والتحقيق بقضيّتهم، لولا أنّ المتّهم هنا تركيّا، هنا تصبح الجريمة أمرًا قابلًا للشك، ويمكن للضحايا أن يكونوا كائنات فضائيّة لا وجود لها.
إغراق القارب
انطلق مركب خشبيّ بتاريخ 15\9\2015 من (بودروم) إلى اليونان، كان يحمل قرابة 250 مهجّرًا أكثرهم من السوريّين، اعترضهم خفر السواحل وأطلق النار بشكل مباشر على القارب، ثم أثار موجات التفافيّة لقلبه، ثم بدأ برشّه بخراطيم المياه حتى غرق، وتركهم لأكثر من ساعة ونصف في المياه قبل أن تأتي سفينة أخرى لانتشالهم، غرق في هذه الفترة قرابة 30 شخصًا، أحدهم رضيع اسمه “مجد” 12 يومًا غرق مع أمّه. اقتيد الناجون إلى المخفر، ثمّ احتجزوهم في “بيت الضيافة العثمانية”، بعد أن صادروا جميع وثائقهم الثبوتيّة.
جريمة قتل موصوفة
يقول رئيس تجمّع المحامين السوريين الأحرار، المحامي غزوان قرنفل: “لا يحق لخفر السواحل التركية إغراق مركب يحمل مهاجرين غير شرعيين، بل يملك الحق بمحاصرته وقطره إلى الشاطئ، ومن ثم مساءلة ركابه، أما عملية الإغراق فهي جريمة قتل موصوفة، خصوصا أنه نجم عنها ضحايا فقدوا حياتهم، وتتحمل السلطات التركية مسؤوليتها”.
لأنهم شهود على جريمة
في اليوم التالي لإغراق القارب، خرج قاربان آخران خشبيان أيضًا، ليلًا، باتجاه إيطاليا، وتعرّض لهما خفر السواحل التركية، ورشّهما بخراطيم المياه، وصنع موجات التفافيّة، إلّا أنه لم يُغرِق القاربين، أوقفهما وأعادهما واحتجز من عليهما في أحد الملاعب، ثم أطلق سراح الجميع بعد 48 ساعة، ونشرت حملة مهجرون لا مجرمون فيديوهات توضّح محاولات الإغراق التي قام بها خفر السواحل على القاربين، ومجموعة من الصور قبل وأثناء غرق القارب الأول.
شهادات الناجين من القاربين مقترنة بالفيديو، تؤكد أنهما كانا يحملان الكثير من الأطفال والشيوخ والمقعدين والمرضى الذين يقطعون البحر للحصول على العلاج، وعلى إطلاق سراحهم بعد 48 ساعة، وهذا ما يجعل سبب توقيف مجموعة القارب الأول هو أنهم شهود على جريمة الإغراق غالبًا.
اعتقال وترحيل إلى الموت
التقى المحتجزون هناك بمحتجزين آخرين كانوا قد اعتقلوا من الشارع دون أية تهمة، أحدهم قاضٍ من درعا اعتقل من أمام الفندق الذي يقيم فيه في أزمير، والآخر شاهين برزنجي وهو فنّان تشكيلي اعتقل من الشارع أيضًا، فيما رحّلت السلطات التركية عائلات مسيحيّة وكرديّة إلى سوريا وغيرها إلى لبنان التي أتوا منها بشكل نظامي، ويخشى كثيرون من انتهاكات قد تصيب من تمّ ترحيلهم.
حملة مهجّرون لا مجرمون
أطلقت مجموعة من الناشطين السوريّين حملة #مهجرون_لا_مجرمون للضغط باتجاه الإفراج عن المعتقلين في سجن العثمانيّة، والتحقيق في حادثة إغراق المركب، وتوجّهوا برسائل مكثّفة للمعارضين السوريّين عبر هواتفهم الشخصيّة وخاصّة أعضاء الائتلاف، الذي يشدّد ويؤكّد دائمًا على أنه الممثل الشرعي والوحيد للشعب السوري، وبالتزامن مع هذا الضغط، أرسلوا رسائل باللغة التركيّة إلى سياسيّين ودبلوماسيّين أتراك، ورسائل إلى هيئات دوليّة ومنظّمات حقوق الإنسان العالميّة، ووكالات الأنباء والصحف.
الائتلاف بين التكذيب والإهمال
الرسائل التي وُجّهت إلى المعارضة السوريّة طالبتهم بالقيام بواجبهم، والتحرّك من أجل الإفراج عن المحتجزين والتحقيق في الجريمة، بعضهم وعد بالتحرك ولكنّ معظمهم لم يردّوا حتّى أولئك الذين أعاد عمر إدلبي إرسال الرسالة لهم ضمن غرفة خاصّة بقيادة المعارضة، بينما ذكر منذر ماخوس إنه ليس مسؤولًا عن هذه القضيّة، بل هي مهمّة رئيس الائتلاف وسفيره في تركيا، وردّ رئيس المجلس الوطني جورج صبرا على إحدى الرسائل: “الموضوع الذي أثير وبالشكل الذي وصفته، فيه مبالغة ومغالطة، لم ولن يحصل تسفير أي سوريّ إلى سوريا تحت أي ظرف ولأي سبب، وهذه ضمانة تركية ودوليّة، فلننسَ هذا الأمر”.
هذه الاستهانةُ بأرواح السوريّين وحرّياتهم وكرامتهم، تدلّ بما لا يقبل الشك على ارتهان هذه المعارضة لسياسات داعميها، وتعرّي ادّعاءاتهم في الدفاع عن السوريّين، وتعيدُنا إلى حياتنا تحت ظلّ الأسد وشبّيحته، حيث يُعتَقل الناس أو يموتون دون أن يجرؤ أحد على السؤال عنهم، لأنّ القاتل “مدعومٌ” وسلطته أقوى من القانون.
ردّة فعل الجانب التركي
السياسي التركي عبد الحميد عصفور ردّ على رسائل الحملة: “اتقوا الله يا كذابين، يا شبيحة” فيما أنكر المحلل السياسي التركي زاهد غول الخبر وقال: “أنا أعرف بتفاصيل الإغراق المتعمّد للمراكب، ولكنه ليس من قبل الخفر التركي” فيما ردّ على مخاوف الترحيل: “العودة إلى سوريا إلى مناطق المعارضة”.
وفي مكالمة هاتفيّة بين عضو الائتلاف محمد جوجة وأحد المحتجزين في العثمانية قال الأول: “إن مسؤولين أتراك اتهموا خفر السواحل اليونانية بإغراق المركب في المياه اليونانية، وأشاروا إلى اقتصار دور خفر السواحل التركية على إنقاذ الغرقى” الأمر الذي نفته اللجنة الإعلامية للحملة: “هذا غير صحيح لأن خفر السواحل التركي لا يستطيع دخول المياه الإقليمية اليونانية، وإن كان ذلك صحيحًا فلماذا قام البوليس التركي باعتقال الناجين بدل الاهتمام بهم وتقديم الرعاية الطبية؟ علما أن أحد الناجين من الغرق ويدعى “عبد الحفيظ عبد القادر حسين” قد توفي بعد يومين داخل المخيم بسبب الإهمال الطبي فهو مصاب بمرض الكبد ولم يحصل على العلاج”.
إضراب عن الطعام واعتداء على اللاجئين أمام وفد الأمم المتحدة
بتاريخ 22\9\2015 دخلت سيّارة تابعة للأمم المتحدة بعد ضغوطات الحملة، والتقت بالمسؤولين عن الحجز وخرجت بعد ساعةٍ دون أن تقابل أحدًا من المحتجزين، وكانت مجموعة من المحتجزين قد أعلنت إضرابها عن الطعام حتّى يتم الإفراج عنها، وقال شاهين برزنجي: “أمام أعين الأمم المتحدة، التي لم يكلف موظفوها أنفسهم إزالة النظارات الشمسية والنظر إلى اللاجئين، تم الاعتداء على لاجئ سوري مسن وشابين آخرين”. فيما أكّد برزنجي أنه بتاريخ 21\9\2015 “تم إطلاق سراح مجموعة من العراقيين بعد تدخل القنصل العراقي، بينما نحن السوريين على ما يبدو ليس لنا أحد”.
منع وفد الائتلاف من الدخول
في اليوم الذي وصلت فيه سيّارة الأمم المتحدة وخرجت، وصل وفد الائتلاف ممثلا بمحمد قدّاح ومحمد جوجة، ومُنع من الدخول بعد أن انتظر لأكثر من ساعة على الباب، بسبب عدم حصوله على موافقة من أنقرة.
الرابطة السورية للدفاع عن حقوق الإنسان تدين “الجريمة المروّعة”
“الرابطة السورية للدفاع عن حقوق الإنسان تحمّل السلطات التركية المسؤولية الكاملة عن إغراق مركب لاجئين سوريّين” هكذا عنونت الرابطة بيانها الصادر بتاريخ 23\9\2015 وصفت فيه الحادثة بـ “الجريمة المروّعة” وحمّلت الرابطةُ السلطات التركية المسؤولية الكاملة عنها وعن سلامة من تم ترحيله إلى سوريا، وطالبت بفتح تحقيق فوري والإفراج عن جميع المعتقلين.
اعتقال حركة أحرار الشام لمجموعة من المرحّلين
ذكر أحد المحتجزين في العثمانيّة –نتحفّظ على اسمه- أن أحد الذين تم ترحيلهم إلى سوريا تواصل معه، وأخبره أن “حركة أحرار الشام حقّقت مع جميع المرحّلين من تركيا، وأطلقت سراحهم فورًا، باستثناء 7 أكراد من مدينة عفرين، لم يطلق سراحهم ولا نعرف عنهم شيئًا إلى اليوم”.
وصرّح مصدر مقرّب من أحرار الشام فضل عدم ذكر اسمه: “تواصلنا مع أحرار الشام بخصوص المعتقلين السبعة، وكان ردّهم أنهم الآن لدى المحكمة الشرعية، ويجري التحقيق معهم في اتهامات نسبت إليهم بارتكابهم جرائم حرب مع وحدات الحماية الشعبية التابعة لحزب (PYD) الكردي”.
يعلّق المحامي غزوان قرنفل: “يحظر القانون الدولي إعادة لاجئ أو طالب حماية إلى بلد أو مكان يخشى على حياته فيه أو هناك احتمال لتعرضه للتعذيب، وعملية الإبعاد أو الطرد تخالف أحكام المواد 32 و33 من اتفاقية حقوق اللاجئين الدولية كما أنها تخالف أحكام قانون الحماية الدولية التركي، ويحق لمن تقرر طرده وإبعاده الطعن بقرار الإبعاد أمام القضاء الإداري التركي خلال مهلة 15 يوم ، وإصدار الحكم خلال 15 يوم أخرى، وكان يتعين حتى لو صدر حكم قضائي بإبعادهم، منحهم مهلة كافية ليتدبروا بلدا يقبل بإيوائهم بدلا عن سوريا” .
منظّمة العفو الدولية تصدر بيانها: لاجئون تحت خطر الترحيل القسري إلى سوريا
أصدرت منظمة العفو الدولية الخميس 24\9\2015 بيانًا بخصوص الحادثة ذكرت فيه أنّ “خفر السواحل أكد أن هناك 249 لاجئًا تم إنقاذهم و22 جثة تم انتشالها بينهم أطفال” وأنّ: “اللاجئين وقعوا على أوراق لم يفهموها لأنها بالتركية” كما وصفت احتجاز اللاجئين بـ “الاعتقال”، وطالبت وزير الداخلية التركي بإيقاف إعادة اللاجئين إلى سوريا والعراق، وإطلاق سراح بقية اللاجئين ومنحهم حماية مؤقتة وتمكينهم من تقديم طلبات لجوء ومطالبة وزير العدل التركي بفتح تحقيق محايد بالقضيّة.
إمكانية التحقيق بالقضيّة بطريقة أخرى
يختتم المحامي غزوان قرنفل : “لا يحق لنا كمحامين العمل في تركيا، وعندما رخصنا التجمع وقعنا على تعهد خطي بعدم طلب ممارسة المهنة، لذلك لابد من توكيل محامٍ تركي للطعن بكل ما تم من إجراءات تنتهك حقوق اللاجئ، وإقامة دعوى لمساءلة الدورية التي أغرقت المركب عن حياة الضحايا وطلب التعويض لذويهم، ولا أنصح بترك الائتلاف والحكومة خارج الموضوع، بل يتعيّن إحراجهم وتعريتهم، وأنصح ذوي الضحايا والمتضررين بالاعتصام في مقر الحكومة المؤقتة، وإلزامها على توكيل محامين لوضع نهاية لهذا العبث بالسوريين، فلا يجوز أن يصبح السوريون مكسر عصا لكل من هب ودب”.
شاعر وكاتب صحافي من سوريا – فلسطين.
رئيس تحرير صحيفة “أبواب” ومحرر القسم الثقافي سابقاً في مجلة “طلعنا عالحرية”. صدر له في الشعر “سيرًا على الأحلام” 2014 عن دار الأيام – الأردن، وله كتابان قيد الطبع في الشعر “لم ينتبه أحد لموتك” و”لابس تياب السفر” في الشعر المحكي. يكتب في العديد من الصحف والمواقع العربية والألمانية. ترجمت نصوصه وقصائده إلى لغات عديدة كالإنكليزية والألمانية والبوسنية. يعيش في ألمانيا منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2014 بعد استضافته من قبل مؤسسة الأديب الألماني “هاينرش بول” في منحة تفرّغ إبداعي للكتابة.