Site icon مجلة طلعنا عالحرية

أسئلة مشروعة… بعد عشر سنوات على الثورة

يوسف صادق

لماذا لم تنجح الثورة السورية؟
هل تجاوز الواقع هذا السؤال؟ أم أن هناك أسئلة أخرى؟
حينما ندرك أنّ نظاماً يمتد بجذوره العفنة إلى كل بنى المجتمع، وإلى أعماق نفوسنا وعقولنا وحتى أحلامنا، ويرتبط بشبكة وريد دماءٍ نجسة بكل مصالح دول الهيمنة والاستبداد، حينها ندرك كم هو السؤال بريءٌ ومجحفٌ بحقّ السوريين.
إذاً لنخرج من الاختلاط في شبهة السؤال وآثامه، ونعود لننظر ببراءة لا تعرف كل ما تعلمناه من كلامٍ جاهزٍ لكل المناسبات. والعودة إلى بدءٍ لا تعني نسف كل شيءٍ، بل جدلياً النفي والشك، لنؤسس من جديد.
الحرب الروسية على أوكرانيا تعود بنا لمقولة ماركس “الحرب امتحان لمقدرات الأمة” والسؤال المبدأ، والذي يتجاوز كل الأسئلة السابقة، ولا ينفيها، هل كانت الثورة بما هي حراك شعبي ومدني ثم عسكري، قادرة على تحقيق الحرية والعدالة والدولة المدنية الديموقراطية، كما هتفت بشعاراتها الحناجر؟ حسبنا طرح الأسئلة في الأسطر القليلة الباقية.
من الجهة الأخرى نظام الطاغية كان مستعداً بآلته العسكرية والأمنية والإعلامية لسحق أي حراك ضده. وهذه حقيقة تثبت أن كسر جدران الخوف كان ثورةً.
الطاغية هيّأ كل شيءٍ ومنذ عقود كي يبقى، أفرغ الدستور وأفرغ الحياة المدنية والسياسية في المجتمع، بل زرع بها أذرعه لتقوم بمهمته، بدءاً من طفولة الطلائع حتى قهر الشباب في جيشه العقائدي. ليحوّل الشعب لقطيعٍ، أو يرمي به في غياهب تدمر وصيدنايا، أو يسحق الأصوات تحت سقوف البيوت في حماه. ولا يعلو إلا صوت آلته الإعلامية مُمجّدة ومسوّغة لكل شرور الاستبداد. والنتيجة شعب مُذرّر في طوائف وعشائر وأيديولوجيا غيبية، منتظر للمكرمات وزيادة الرواتب في نشرات الأخبار.
قد يعترض الكثيرون وهذا حقّهم. لكن الذي حصل إبّان الثورة يثبت نسبية هذه النظرة. ففي الجهة المقابلة، بدأت الثورة، ثورة الكرامة، لتقول إنّ الشعب السوري واحدٌ، فتوالت الجُمعات واتسع صوت الضمير على كامل الجغرافية الوطنية، لكن التاريخ يعلّمنا أن نسبة نجاح هذه الثورات قليلة، والطاغية جاهز بآلته الدعائية والعسكرية للبطش بها.
وهنا نتساءل هل كان لا بدّ من الانتقال للثورة المسلّحة؟ ربما هو منطق الواقع، لكن مع هذا الانتقال أخرج المجتمع كل ما يرافق منطق القوة، وهنا نعود لجاهزية المجتمع المدني وقدرته على الاستمرار، أو لنقل إنّ الامتحان كان لوعي المجتمع لما خلّفه به الاستبداد.
فحينما تمكّنت القوى الأصولية والمتطرفة من تسلّم دفّة القيادة، أقصت كل صوتٍ مدني أو ديمقراطي، وما حصل في الغوطتين حسب شهادة المعتقلات، والنساء الناشطات، بدءاً من الإخفاء القسري لرزان زيتونة ووائل الحمادة وناظم الحمادي وسميرة الخليل، كان دليلاً على ما زرعه فينا الاستبداد من أمراء للحرب ووصوليين. ورغم ذلك استمرت المقاومة الشعبية في جوبر مثلاً.
لكن الطاغية كان جاهزاً لهذه المرحلة التي استقرت بها عروش الأنظمة الشمولية في كل الأرجاء العربية، مدعيةً المقاومة. فاستحضر أذرعه الخارجية الحاضنة لنظامه الطائفي وأعاد التوازن له منذ عام 2013.
لنقل إن تدخل سياسة القوة كان لابدّ منه، لكنه يحمل معه التهديد المباشر لاستقرار الأنظمة في الشرق المنكوب. وللعالم الذي يحكمه الطغيان باسم مجلس الأمن وعدم فاعلية هيئة أممه المتحدة.
ويكتمل هذا بالتدخل الروسي عام 2015 لينقذ حلفاءه في الاستبداد وتصبح قضية الشعب السوري المطالب بحريته، قضية أممية، يتناولها العالم بمسار جنيف المعطل، ومسار الأستانة المستند للقوة على الأرض من قِبل النظام القزم وحلفائه.
لنقل من جديد منذ ذاك خرجت الأمور من يد الشعب السوري. فلم تستطع هيآته السياسية والمدنية إيجاد التوازن بتحالفاتها واحتضانها من القوى العظمى العالمية، بمعنى لماذا لم يستطع المجلس الوطني ثم الائتلاف الحاكم وهيئة التفاوض أن يكونوا على قدر آمال ومذابح شعبنا؟
الحرب امتحان لمقدرات الأمة، وشعبنا لم يكن لظروف تاريخية وعالمية يمتلك تلك المقدرات. والآن نجح الطاغية بتفريغ المناطق الثائرة، وتشريد مَن تبقّى، وتهجير مَن كان يملك الإرادة والحلم. بل وباتت سوريا مكاناً لتصفية الحسابات العالمية.
لعلّ العجالة السابقة فيها الكثير من الشبهات، لكنّ الثابت فيها بعض الوقائع والأسئلة:
الواقعة الأولى والسؤال: لم يكن المجتمع السوري بظل الحرمان من السياسة والقانون جاهزاً على مستوى ممارسة الحراك الثوري؛ لا يعني هذا أن يؤجل الشعب ثورته حتى ينضج، بل يعني أن يتساءل المحبطون هل خرجوا للشوارع بدافع الحلم وكسر الخوف وفقط؟ على أهمية وتقدير ما كسروه من حواجز فرضها النظام على مرّ عقود.
والواقعة الثانية: تتمثل بسيطرة التطرف، فكان ورقةً بيد الطاغية ليبرر هدم المدن فوق ساكنيها، وليجلب ضباع العالم إلى سوريا، والسؤال: ألم يدفع الحراك المدني السلمي والنشطاء من الإناث والصحفيين والكتّاب والمفكرين ثمن ما جرى؟ ألم يعِ النشطاء والسياسيون ما أهملوه في بنى مجتمعنا العربي من تقاليد وبطريريكية، جعلت كل التقاليد المدنية السياسية قشرةً فوق مستنقع من الأيديولوجيا السلطوية والفئوية؟
الواقعة الثالثة تفرض نفسها مع كل التجارب الناجحة في الحراك الثوري: تنظيماً ودعاية وتحرّراً، كانت وما زالت أملاً للسوريين. كفرنبل وغيرها من المدن السورية الثائرة، ما زالت تلهم أحرار العالم كيف يكون العمل الثوري.
الواقعة الرابعة وليست الأخيرة: مواكبة الحدث إعلامياً ووعي كيفية كسب المواقف سياسياً.
كل ذلك يطرح علينا إعادة النظر للخروج من ثنائية الحل البوتيني/ الأميركي وكيفية تجاوز القشرة الهشّة التي تسمّى الائتلاف، لتمثّل القوى الثورية بجسد سياسي قادرٍ على تمثيل ملايين المهجرين والنازحين والمعتقلين، وفق مشروع مدني ديمقراطي، يمثّل الحد الأدنى مما يستحقّه السوري. ويبقى السؤال بريئاً بعيداً عن شبهات المصالح سوى إرادة السوريين.
وربما ننتظر الكوكب الحادي عشر، لتتحقق رؤيا يوسف.

Exit mobile version