وسط عجز السلطات عن تحسين الواقع
ليث الحوراني – درعا
يعاني غالبية سكان جنوب سوريا في محافظتي درعا والسويداء من أزمات معيشية خانقة كباقي السوريين، بسبب ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق وقلة المرتبات الشهرية سواء في القطاع الخاص أو العام التي لا تتجاوز 50 دولاراً أمريكياً في القطاع العام، و100 – 150 دولاراً في القطاع الخاص، إضافة إلى الانهيار القياسي لسعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأميركي، الذي وصل إلى أعلى مستوياته في البلاد؛ حيث يسجل سعر صرف الدولار أمام الليرة السورية تصاعداً تجاوز مؤخراً أكثر من 4550 ليرة سورية مقابل الدولار الواحد، وقبل 2011 كان سعره 47 ليرة مع بقاء كتلة رواتب العاملين لدى مؤسسات الدولة نفسها.
وتدهور الليرة ما أسفر إلى زيادة باهظة في أسعار مختلف البضائع والمواد الأساسية، وأرهقت العائلات ذات الدخل المحدود كما أن أعداداً كبيرة من شرائح المجتمع والعائلات أُضيفت إلى الطبقة الفقيرة، بعد أن كانت قادرة على سدّ احتياجاتها من مرتباتها الشهرية سابقاً، وأصبحت الآن بعد هذا الانهيار تستنزف مرتباتها في أول أيام الشهر. وبات ربّ الأسرة يرتبك لمجرد دخول السوق الذي يكفل إفراغ جيبه من مرتبه الشهري بمجرد مروره في شارع واحد من أي سوق، وبات التسوق حلم الكثيرين من السوريين، ويقتصر على العائلات ميسورة الحال، أو الذين توزع أبناؤهم وذويهم في بلاد الشتات ويرسلون مبالغ لإعالة أهاليهم في سوريا.
وبدأت مخلفات هذا الواقع المرير والوضع المعيشي المتردي تنعكس على المجتمع؛ حيث تشهد محافظتا درعا والسويداء جنوب سوريا حالة من الإنفلات الأمني وانتشاراً للبطالة والمخدرات وعمليات السرقة والسطو. ومؤخراً برزت ظاهرة هجرة لأعداد كبيرة من أبناء المنطقة، بسبب انحسار الخيارات في سوريا أمام الفئة الشبابية، خصوصاً مع الوضع الاقتصادي المتدهور في عموم سوريا، وحالة التجنيد الإلزامية التي تلاحق الشباب بعد التخرج من الجامعة أو منذ بلوغ السن القانوني، إضافة إلى أنه لم يعد أي عمل، سواء بالقطاع الخاص أو العام، يكفي لسدّ الحاجات اليومية، لاسيما أن الشباب أمامهم رحلة الإنتاج والتأسيس لبناء الأسرة المستقبلية. واعتبر أحد شباب السويداء أن هذا “مستحيل في سوريا”، مع “انعدام فرص العمل وضعف المرتبات الشهرية وقلة أجور اليد العاملة”، ما جعل خيار الهجرة أو السفر هو أفضل الحلول أمام الكثيرين.
ويقول زياد من درعا إنه مع اقتراب العام الدراسي الجديد فإن استعدادات خجولة يقوم بها معظم سكان محافظة درعا لاستقباله، خصوصاً أن أسعار اللوازم والأدوات المدرسية تشهد ارتفاعاً؛ حيث يحتاج كل طالب بالمرحلة الابتدائية والإعدادية بين 75 – 150 ألف ليرة سورية، ما يجعل الاستعداد للعام الدراسي الجديد حكراً على أبناء العائلات ميسورة الحال فقط، لا سيما مع الغلاء الفاحش بكل مجالات الحياة، سواء بالمواد الغذائية والخبز والأدوية.
أما سعر 8 أرغفة من الخبز في الأفران الخاصة وصل لنحو 3 آلاف ليرة سورية، ومع نظام توزيع الخبز من قبل الحكومة الذي يخصص لكل فرد رغيفين من الخبز في اليوم، بات الحصول على الخبز المدعوم لدى العائلات محدودة الدخل يوصف بالإنجاز الكبير، حتى الخضراوات المنتجة محلياً في درعا باتت غالية السعر، بسبب ارتفاع تكاليف الزراعة والمحروقات وانقطاع الكهرباء عن آبار ضخ المياه، خصوصاً أن سعر اللتر الواحد من مادة الديزل (المازوت) وصل إلى 7 آلاف ليرة سورية في السوق السوداء، كما وصل سعر اللتر الواحد من البنزين إلى 4 آلاف ليرة سورية في السوق السوداء أيضاً، وما يزيد الأعباء والمعاناة على العائلات الاستعداد لقدوم فصائل الشتاء أيضاً؛ حيث بدأ سعر الحطب بالارتفاع وسجل سعر الطن الواحد من الحطب 850 ألف ليرة سورية، ما يجعل الدفء في الشتاء المقبل أمراً صعباً على العائلات المحدودة الدخل.
ووفقاً لخبير اقتصادي سوري فإن “الحكومة السورية اتخذت مجموعة إجراءات، منها زيادة في رواتب العاملين لديها، بالإضافة إلى توفيرها المواد الغذائية الأساسية في المؤسسة التجارية التي تسمح لموظفي مؤسسات الدولة بالشراء بأسعار الجملة كالمواد التموينية الأساسية (السكر والرز والزيت) وحتى القرطاسية والملابس، بأسعارٍ منخفضة عن السوق الحرة، كما عملت على تفعيل (البطاقة الذكية) التي أصدرتها الحكومة للعائلات للحصول على مخصصاتها من المحروقات (البنزين والمازوت والغاز)، وفق أسعار محددة وأرقام وجداول دورية”.
ويتابع الخبير: “وقدمت الحكومة مؤخراً منحة مالية قيمتها مئة ألف ليرة سوريّة، للموظفين في القطاع العام وتشمل العسكريين”، وقد احتفت بهذه المنحة وسائل إعلام محسوبة على النظام ووصفتها بـ”المكرمة إلى الشعب”. علماً أن نسبة الفقر وفقاً لإحصائيات محلية غير رسمية إلى 90%. وتساوي المنحة الأخيرة مقارنة بسعر صرف الدولار الأمريكي في السوق السورية 23 دولار أمريكي، ولم يغفل عنها التجار الذين سارعوا إلى استقبال المنحة برفع أسعار المواد الغذائيّة.
ووفقاً لجولة ميدانية في الأسواق المحلية جنوب سوريا، سجّل سعر كيلو الخيار 1800 ليرة سورية، والباذنجان 1700 ليرة للكيلو الواحد، بينما البندورة 1000 – 1500 ليرة سوريّة، أما البامية 7500 ليرة، وأربع ليترات من الزيت النباتي 52 ألف ليرة سورية، أما سوق اللحوم الذي يطلق عليه السوريون لقب “السوق المحرم” تعبيراً عن عدم قدرتهم على دخوله، فقد وصل سعر كيلو الدجاج إلى 13 ألف ليرة سورية، واللحم البقري بسعر 28 ألف لكلٌ كيلو، ولحم الغنم 35 ألف ليرة، وطبق البيض لم ينزل عن سعر 15 ألف ليرة سورية، وعلبة المحارم ذات الجودة المتوسطة وصل سعرها إلى 6200 ليرة سورية، والقلم المدرسي الواحد 1500 ليرة سورية.
واعتبر الخبير الاقتصادي أن حكومة النظام في سوريا ترى أي شيء مقدم للشعب “إنجازاً”، خاصة وأن كافة وسائل الاكتفاء الذاتي والإنتاج المحلي في سوريا تراجعت إلى أكثر من 80% مع استمرار الحرب في البلاد، وعودة مساحات من سوريا إلى سيطرة النظام وزيادة المطالب الشعبية بالتحسين. وسط عجز حكومي عن تلبيتها لعدم توفر الإمكانيات لديها، والفساد الإداري الذي تعاني منه معظم المؤسسات الحكومية.
مجلة مستقلة، تعنى بشؤون الثورة السورية، نصف شهرية، تطبع وتوزع داخل سوريا وفي عدد من مخيمات اللجوء والتجمعات السورية في الخارج