يبقى التساؤل الأكبر فيما يشهده العقل الجمعي للسوريين من يوم مجدوا فيه أردوغان وأطلقوا عليه الألقاب من قبيل السلطان وأسد السنة؛ وحتى سقّطوه اليوم ونعتوه بالمتخاذل والبياع هو (إلى متى؟)، إلى متى ننتهج المبالغة كأسلوب حياة، إلى متى تأخذنا التهويمات، فإن أحببنا شخصا رفعناه حتى صنعناه وهما نريد استشفاف واقعنا منه!، وإن كرهناه هجيناه في كل حالاته، والأغرب وجود من لا يعجبه أي تصرف للرئيس التركي لا إن حارب روسيا ولا إن صالحها، ووجود من يمجده في الحالتين أيضا لكن دون سند موضوعي يمتلكه أي منهما.
لا بد لنا نحن السوريون من تغييرات ثقافية تدفعنا للعمل بواقعية، وتجنبنا الضياع بمتاهات هواجس البقاء والنصر والأمان والأصدقاء والأعداء، كي نستطيع تحقيق استراتيجية الممكن في طريق الهدف المنشود، فلا نخلط بين الأخلاق والسياسة أو بين الواقعية والوهم، وأن نصبر على وجهات النظر المختلفة، ونتخلص من عقدة الغير بالاعتماد على ذواتنا، والبحث عن عيوبنا، وبنفس الوقت عن رجال سوريين تحكمهم نتائجهم النفعية علينا، وليس حجم صداقاتهم مع دول أخرى.
لدى كل الشعوب عاطفة قومية، وفي بلد ديمقراطي كتركيا من الطبيعي أن تظهر هذه العاطفة القومية على شكل واقعية سياسية في تصرفات سياسيي هذا البلد، لذا فأردوغان هو تركيا وتركيا ليست أردوغان، وفي ظل تغيرات جيوسياسية أشعلت حرائق مخيفة وقريبة منهم، وفي ظل خطر أحدق بالبلاد وسمعتها، ونكث أوروبي بوعود الاتحاد والشراكة، كل ما فعله أردوغان أنه يحاول تجريب ما لم يجربه، ليحافظ على تماسك الدولة وإلا فإن تركة أتاتورك مهددة، ولا أحد في المنطقة حسب ما تثبته الأحداث محصن أو على رأسه ريشة.
أكثر من ذلك يمكن قراءة ما فعله الرئيس التركي قيامه بأول خطوة صحيحة أولى له منذ أعوام، وللأمانة هي ليست ضعيفة فأردوغان جنح لنصف مصافحة، ومد له بوتين النصف الآخر حين أعلن عن اتصاله، وهنا ندية واضحة في تقاسم سنتميترات الخطوة الأولى لإعادة العلاقات بين البلدين، كما أعتقد أن الرئيس التركي حظي بنظرة من بعد رابع على المنطقة، فأدرك أخيرا أن أمريكا استعملته كطعم في شباك لإيقاع روسيا، وأن أوروبا ابتسمت له من طرف، واعترفت بمجازر الأرمن وأرسلت جنودا يقاتلون إلى جانب ألدّ أعداءه من قوات الاتحاد الديمقراطي الكردي من طرف، ثم تأكد من حتمية رحيل الأسد وتحول الأخير إلى “ملهاة” دول صغرى، ريثما تكمل العظمى اتفاقاتها.
بسبب كل ما سبق، لا يمكن القول بأن تصرفات أردوغان لا أخلاقية، وإلا سنقع في شرك تناقضات لا تنتهي، لن يستطيع أحد في البداية والنهاية وصف خدمة الرجل لمصالح بلاده القومية باللاأخلاقية، بل إن أخلاقية أردوغان اتجاه عشرين مليون سوري، قد تضر ستين مليون تركي يا عزيزي.
نبيل شوفان صحفي سوري عمل في العديد من التلفزيونات والإذاعات العربية والسورية وله مقالات رأي وتحقيقات استقصائية في العديد من الصحف