مجلة طلعنا عالحرية

أربع سنواتٍ على اغتيال معن العودات / رامي العاشق

رامي العاشق

انطلقتْ رصاصةٌ قبل أربع سنواتٍ كاملاتٍ من مسدّس القاتلِ نحو جسدِ مَعن الخارج من سجنه فورًا إلى التشييع في درعا، سقطَ معن أرضًا وهو يهتف: “حريّة”، القاتلُ أخرَسَ الكلمةَ ووقف فوق رأسِ معن، وأطلقَ الرصاص في فمه، (لؤي العلي) رئيس فرع الأمن العسكري في درعا نفّذ عملية الاغتيال، فبعد اعتقال معن الثالث أصبح الأمر ثأرًا شخصيًّا بينه وبين هذا الذي يقودُ المظاهرات ويحرّك الناسَ ويبدع شعارات الثورة من جهة، ومن جهة أخرى قيل إن القرار أتى من أعلى سلطة سياسية في سوريا وكان التنفيذ للؤي العلي.

التقيتُه قبل ذلك بأيّام، في السجن، كانت أوّلَ وآخرَ مرّة رأيته فيها، تحدّثنا كثيرًا، وكان يقول لي ويكرّر: “عمّي، إنتو الشباب اللي رح تكملوا، نحنا ما ضل عنّا شي نعملو، حتى صوتنا ماعاد طلع”، كان كثيرَ الدموعِ قليلَ البكاءِ، بعينين حمراوين يحكي كلّ ما يريد بصمت، وكان حظّي قد شاء أن أخرجَ قبله بأيّام قليلة، وأن أعرف خبر اغتياله عن طريق التلفاز.

في اللحظةِ التي خرجتُ فيها من الزنزانة، وقف معن خلف القضبان، لوّح بيده لي وصاح: “عمّي لا تخاف عليّي، أنتو الأمل، خليكن هيك، لا توقفوا” وسط ذهول عناصر الأمن والعساكر وباقي المسجونين بتهم جنائيّة، وخرجتُ وأنا أعرف أنني تركتُ خلفي من هو أحقّ مني بالحريّة، نعم، الحريّةُ يستحقّها من يعمل لها أكثر، حتّى الحياة ولأنها غير عادلةٍ أبقتْ على أحدنا وأخذت الأكثر قدرةً على الحياة، معن كان أجملنا جميعًا، كان يخرجُ من السجن إلى الحريّة، وكنّا نخرجُ من السجن إلى السجن.

خرجَ معن بعد أيّام، وتوجّه إلى درعا، ثم إلى تشييع الشهيد محمد الأكراد، حيث تم اغتياله، وكان في كل المظاهرات التي قادها يشدّد على الوحدة الوطنية واللاطائفية والحرية، ويبتكر شعارات جديدة لها بعدها السياسي لا مجرد كلام كردّ فعل على النظام وشعارات مؤيديه، ويمكن لأيّ متابع الآن أن يعرف لماذا أمر النظام السوري باغتيال معن العودات وإطلاق سراح زهران علّوش،  وكم كان النظام السياسي واعيًا ودقيقًا في معرفة من يشكّل عليه خطرًا ومن يعطي مشروعية لوجوده، إلّا أنّ الذي لا يمكن لأحد أن يتخيّله؛ كمية الحقد الشخصيّ التي كانت من رئيس فرع الأمن العسكري تجاه معن، فقد اعتقله قبل ذلك وعذّبه شخصيًا، وأشرف علىى تعذيبه لاحقًا وأمر بإذلاله ولكن كلّ هذا لم يجعل معن يتراجع خطوة.

 وقفوا جميعًا في التشييع، وكان حضور الأمن كثيفًا جدًا، وكان واضحًا أنّهم مقدمون على أمر ما، معن وقف بين رجال الأمن وبين المشيّعين، وتحدّث كثيرًا لرجال الأمن حتّى تراجعوا قليلًا، وهذا أشعل غضب لؤي العلي أكثر، كان يمكن له أن يكتفي بالرصاصة التي اخترقت خاصرته، إلّا أنه أصر على قتلِهِ في فمه، في صوته، في شعاراته، في ثورته وقوّته، أصرّ على قتلِهِ وقتَلَهُ، نظر في عينيه، وأطلق رصاصاته في فمه، وقتل من حاول إسعافه، وكأنه لا يريد أن يقتل معن فقط، يريد قتله وقتل أثره وشعاراته وخطّه الوطني وثورته ومن يشبهه، ومن يمشي على خطاه، القاتل قتلَ معن.. وقتلنا.

فيديو للشهيد معن العودات في إحدى المظاهرات في درعا أول أيام الثورة:

https://www.youtube.com/watch?v=GUiwPjiGq8s

Exit mobile version