Site icon مجلة طلعنا عالحرية

أربعون يوماً من الاعتقال في سجون النظام والمعارضة

شمس الدين مطعون

ريف دمشق 2011
يحفظ “عبادة” جيداً تاريخ اعتقاله وتفاصيل ذلك الصباح الذي وجد نفسه فيه محاطاً بعشرات العناصر يصوبون نحوه فوهات بنادقهم، ويلقون عليه سيلاً من الشتائم “قف مكانك يا حيوان.. منبطحاً.. يا ع***” كانت تلك ألطف الكلمات التي سمعها منذ لحظات اعتقاله وحتى خروجه بعد أربعين يوماً.
كانت التهمة الموجهة لـ “عبادة” طالب الأول الثانوي هي “الإرهاب وزعزعة أمن الدولة”، وكان عليه أن يختار بين الإقرار بهذه التهمة أو تحمله جولة جديدة من الضرب والتعذيب.
“عبادة” يقول مستحضراً لحظات اعتقاله الأولى: “استيقظت على أصوات رصاص كثيف، كانت أمي والعائلة جميعهم مستيقظين، الخوف خيم على البيت والبلدة، فلقد انتشر الخبر أن البلدة تتعرض لاقتحام، وحملة اعتقالات”.
في الدقائق التي سبقت دخول القوة العسكرية للمنزل كان “عبادة” يلهو بألعاب هاتفه المحمول “لم يكن يعنيني ما يجري حولي، أنا في دوامي في المدرسة صباحاً، وبين المغرب والعشاء أحضر درس المسجد، وكنت أقضي أيام العطلة في منزل جدي؛ وفي بعض الأحيان نلهو أنا وأصدقائي ونلعب كرة القدم في حارتنا” قال “عبادة”.
ترك “عبادة” محموله عندما سمع أصوات عناصر الأمن تقترب، وخلال لحظات طوقت قوة أمنية المنزل، بركلة من قدمه فتح أحد العناصر الباب لتتبعه عشرات العناصر، وأطلق أحدهم عدة طلقات في الهواء.
“عبادة” الذي كان يجلس مع والدته في الغرفة المجاورة للباب، أزعجته طريقة دخول العناصر، وقال ممتعضاً “كان عليكم الاستئذان.. شو وين فايتين” كانت هذه العبارات كافية ليجد “عبادة” نفسه مكبل اليدين بسلك بلاستيكي خلف ظهره، ومغلق العينين ب “الطماشة”.
“رأسك بالأرض يا … “ قال العنصر، وهم يسوقون “عبادة” للباص الذي ضمّ عشرات الشبان المقيدين بسلاسل حديدة ورؤوسهم منحنية على المقاعد؛ كانت صفعات الأيدي تتهاوى على قفاه، وبأخمص البندقية الخشبي تلقى على ظهره عدة ضربات لا تزال آثارها واضحة على جسده.

إدلب 2018
في السادسة صباحاً كانت قوة أمنية مجهزة بمدافع متوسطة وثقيلة وعشرات العناصر الملثمين تبحث عن متهمين “إرهابين” أو “دواعش”، نحن في إدلب المحررة ونتحدث عن تجربة اعتقال نفذتها إحدى القوى الثورية المعارضة.. لقد انتقل “عبادة” للعيش في إحدى قرى محافظة إدلب بعد حملة التهجير التي طالت مناطق الريف الدمشقي.
نهض “عبادة” على أصوات الرصاص و”تفحيط” السيارات التي تحيط بالحي الذي يسكنه، كان سيارات “الفان والسانتافيه” تثير خلفها سحابة من الغبار.. خلال لحظات طوقت قوة أمنية المنزل، واقتحم عدة عناصر البيت، كانوا يرتدون زياً أسود، وكانوا ملثمين، ويحملون بنادق “الكلاشنكوف”، ويطلقون الرصاص بشكل متقطع.
اقتيد “عبادة” بعد عدة ضربات على قفاه لسيارة من نوع “سنتافيه”، ليجد نفسه بعد عدة ساعات في زنزانة تضم عشرات من الشبان والشيوخ، وهناك قضى أربعين يوماً.
كانت الزنزانة صغيرة وبالكاد تتسع للموجودين، ومظلمة إلى حد ما، وكان الجو فيها حاراً وخانقاً.
“تعرفت على قصص الحاضرين، وكان منهم من اعتقل بجرم ابنه، أو والده” قال “عبادة”.
لم يبد نظام الزنزانة جديداً على “عبادة”، وكان كل ما جرى يتطابق مع تجربته الأولى؛ مواعيد النوم والطعام محددة، أما الوجبات فكانت مختلفة، إلا أنها غير مكتملة النضج أيضاً، كما أنها غير كافية.
صراخ السجان المستمر: “اقطع النفس.. ولا صوت يا أوباش”! بنفس الكلمات التي حفظها “عبادة” من اعتقاله الأول. كانت الحمامات صغيرة وبالكاد تتسع للشخص نصف واقف، وهي مزدحمة دائماً بسبب قلة عددها. رائحة الرطوبة كانت السبب بمرض جلدي أصاب “عبادة” لا يزال يتعالج منه.
يقول “عبادة”: “لم أدخل إلى المحقق سوى مرتين، الأولى عند قدومي للسجن حين أقررت بالتهمة التي وجهت لي (أيضاً إرهابي)! وفي الثانية عندما أخلي سبيلي وأجبرت على توقيع تعهد لم يسمح لي بقراءته بشكل جيد”.
رغم مرور عدة أعوام على حادثتي اعتقاله، إلا أن علامات الارتباك على وجهه كانت واضحة تماماً، كان يروي القصة وشفتاه تهتزان وجبهته تتعرق.. “صرت جباناً، ما رأيته لا أستطيع وصفه ولكني أشعر به جيداً” قال “عبادة” وهو يدير وجهه ويشير بيده أن “يكفي”.
تتشابه زنزانة “عبادة” وطريقة اعتقاله بالحادثتين، معاملة السجان واحدة؛ لم تختلف. بالأولى كان يمكنه التعرف على سحنة السجان باختلاس نظرات من تحت غطاء العينين أو من ثقوب باب الزنزانة؛ أما في الثانية فقد أرخى السجان اللثام على وجهه فلم تعرف منه إلا عينيه القاسيتين وصوته الغاضب.

Exit mobile version