Site icon مجلة طلعنا عالحرية

“أدب السجون في مصر وسورية والعراق: الحرية والرقيب” للسورية لينا الشيخ حشمة

 

غسان ناصر – طلعنا عالحرية

صدر مؤخرًا، عن “مجمع القاسمي للغة العربية” و”مكتبة كل شيء” في حيفا المحتلة، كتاب الدكتورة لينا الشيخ حشمة تحت عنوان: “أدب السجون في مصر وسورية والعراق: الحرية والرقيب”، وقد جاء في (٤٨٤ صفحة من القطع المتوسط)، وهو عبارة عن صيغة معدلة لأطروحة الدكتوراه التي أعدتها وقدمتها الكاتبة السوريّة في العام 2014 لقسم اللغة العربية وآدابها في جامعة حيفا.
يعالج الكتاب بين دفتيه، موضوع حرية الإبداع والثالوث المحرم: السياسة، الدين والجنس في زمن الطغيان، في عالمنا العربي بشكل عام، وفي مصر وسورية والعراق بشكل خاص. وفيه تتعمق الباحثة في موضوعات المثقف والرقابة وأدب السجون، وهو ما خصصت له الفصل الأول.

بينما ركزت في الفصل الثاني على مصر وسورية والعراق، فتناولت في الباب الاول: فترات حكم الزعيم جمال عبد الناصر وأنور السادات والرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، وكيف تعامل كل واحد منهم مع المثقفين والمبدعين والرقابة والقمع والسجن، وكيف اُستخدمت سلطات الرقابة السياسية والاجتماعية والدينية في عهد كل من الحكام الثلاثة.
أما الباب الثاني فخُصص لسوريا في إبان فترة حكم البعث، التي ابتلينا فيها في الأسد الأب والابن، مسلطة الضوء على ما واجهه المبدعون السوريون من رقابة وتعذيب وقمع وقتل نتيجة لتفعيل السلطات الرقابيّة الثلاثة.
وتطرقت الكاتبة في الباب الثالث، إلى ملامح علاقة النظام والرقابة بالمثقف في العراق في ظل حكم صدام حسين ووسائل ووسائط الرقابة السياسية والاجتماعية والدينية. فيما تناولت في الباب الرابع، موضوع المرأة والحرية الإبداعية في مصر وسورية والعراق، لتخلص هنا إلى أن المرأة تتحدى “العقلية الذكورية” إلى جانب السلطة المستبدة، بينما المبدع يتحدى سلطة الحاكم الطاغية.

انتفاضة ضد الرقابة المؤسسّاتية والذاتيّة..
واشتمل الفصل الثالث من الكتاب، على عدة أبواب فقد ناقش القمع والسجن في النصوص الأدبيّة في الروايات والنصوص المصريّة والسوريّة والعراقيّة والعلاقة الجدلية بين السجان/السجن والسجين. الشخصيات ومنها: الجلاد/المحقق/ للسجان، السجين، وصور التعذيب النفسي والجسدي.
واسهبت الكاتبة بدقة وعمق في تفصيل المستويات الفنية المتعددة في أدب السجون. ومن ثم دراسة الموضوعات السابقة في رواية الكاتبات المصريات والسوريات والعراقيات.

وخصصت الكاتبة حيزًا هامًا لبحث وجوه الفرق والتشابه بين الرواية والسيرة الذاتية، ومقاومة الحبكة التقليدية، وموضوعات الزمان والمكان، والتناص وآليات أخرى.

ويلمس القارئ أنّ المؤلفة راجعت وقرأت نصوصًا وأعمالًا أدبيّة كثيرة ومتعددة تطرقت لموضوع البحث، خاصةّ كتب الرواية والسيرة الذاتية وحاولت تغطية فترة زمنية طويلة لأنظمة حكم استبدادية وقمعية في ثلاثة من أقطارنا العربية.

الكتابُ عميقٌ وهام وغني في المعلومات والتحليل؛ وفيه سرد للجوانب القانونية التي تُشرّعن للرقابة في كل واحدة من البلدان الثلاثة، وكيف يؤثر الرقيب على العمل الأدبي وخصوصًا أدب السجون.

وربطت الباحثة في دراستها هذه، بين الجانبين البحثيين النظري والتطبيقي. ما جعل منجزها الأكاديمي يساهم بشكل مميز في فهم الأدب والكتابة عن الواقع والتخييل، كما أنها سجلت في ما طرحته من أفكار هامة انتفاضتها ككاتبة ضد الرقابة المؤسسّاتية والذاتيّة، معلنة انحيازها لقيم الحرية والإبداع.

أدب السجون في سوريا .. فضح الاستبداد
وقد ختمت المؤلفة السوريّة كتابها بجملة من الملاحق والجداول الهامة التي توثق للمواضيع المتناولة في البحث، إضافة إلى قائمة مصادر ومراجع طويلة وشاملة.

ويجدر هنا الإشارة لمجموعة من الكتب السوريّة التي تناول كتّابها تجربتهم في سجون الأسد الأب والابن في العقود الأربعة الأخيرة، فنذكر على سبيل المثال لا الحصر: كتاب “خيانات اللغة والصمت” للشاعر فرج بيرقدار، الذي خصص فيه فصلًا كاملًا عدد فيه جميع وسائل التعذيب التي نسمع بها مثل “الدولاب” و”الكرسي الألماني”، شارحًا كيف يتم التعذيب في كل واحدة منها.

ورواية “القوقعة: يوميات متلصص” للكاتب مصطفى خليفة، الذي مكث في السجن 13 عامًا إثر عودته من باريس -مدينة والنور والجمال- إلى دمشق ليجد نفسه في أقبية المخابرات الحربية بتهمة الانضمام إلى “جماعة الإخوان المسلمين” رغم أنه مسيحي الديانة. وذلك بسبب تقرير كتبه فيه أحد زملائه في الغربة.

وكذلك رواية “أنشودة البرد والحرية” للكاتب سمير قنوع، والتي قارب فيها عالم السجن، رغم أن تجربته فيه لم تتجاوز ثلاثة أيام. وكتاب “الوحدة تدلل ضحاياها”،  وهو الأول للكاتب الكردي السوري دارا عبد الله (اعتقل لفترة في السجون السوريّة). ولا ننسى كتاب “بالخلاص يا شباب، 16 عامًا في السجون السوريّة” لياسين الحاج صالح، الذي قبع بسجون الطاغية الأب والابن السفاح ستة عشر عامًا.

يقول “صالح” في مقدمة كتابه بأنه “لم يفِ ما كُتِبَ عن السجن السوري حتى اليوم التجربة حقها. سُجن آلاف ومرّ بتجربة السجن عشرات الآلاف، ولم تُكتب أو تُنشر غير بضعة كتب”.

هذا ويَعتبرُ عدد من النقاد أن العديد من كتّاب السير والروايات التي تستعرض تجاربهم داخل السجن، تعمّدوا إخفاء حقائق عاشوها في المعتقلات، من قبيل ما تعرضوا له من تصرفات أو انتهاكات لحقوقهم، وذلك من أجل عدم “صدم” أقاربهم وأفراد أسرتهم بخصوص الأحداث المرعبة التي عاشوها وتعرضوا لها داخل أقبية سجون الطغاة.

إنّ هذا الكتاب جدير بالقراءة المتأنية، للاستفادة منه لإجراء أبحاث أخرى في أماكن وأزمنة أخرى، وخصوصا لدى شعبنا السوري، الذي يقبع الكثير من أبناءه منذ سنوات طوال، في سجون وأقبية الاستبداد الأسدية.

 

Exit mobile version