Site icon مجلة طلعنا عالحرية

آمال التغيير في واقع السوريين
محرك التغيير القادم (3-2)

عبد الله شاهين

لعل الكلفة المادية للحرب السورية -والتي قاربت على نصف تريليون دولار أمريكي منذ ثورة 2011- هي الجانب الأقل فداحة من خسارة سوريا، إذا ما قورنت بالخسارة البشرية التي وصلت إلى فقدان أكثر من 606 ألف سوري أرواحهم [2] و13,5 مليون لاجئ ونازح، منهم 6,5 مليون سوري خارج الأراضي السورية. وكما أنه لم يتم إضفاء الطابع الإقليمي على الثورة السورية فحسب، بل تم أيضاً تدويلها إلى حد كبير، فكذلك الحال في انتشار اللاجئين السوريين المهجرين على كافة قارات المعمورة. وبالرغم من أن التغريبة السورية أصابت وتصيب بشكل أساسي سوريي الداخل، إلا أن الأدلة المتوفرة تشير إلى أن النزاعات الداخلية في أي دولة -وفي القضية السورية تحديداً- أثرت وتؤثر بشكل مباشر على حياة ورفاهية المغتربين على الرغم من كونهم بعيدين عن منطقة الصراع. هذا الواقع يجعل من الضروري رصد الدور الحاسم الذي سوف تلعبه مجموعات الشتات السوري، لا فيما يتعلق بالصراعات الداخلية فحسب، بل بمستقبل سوريا ما بعد الحرب.
العلاقة بين أنشطة الشتات في دول الصراع وديناميكيات ذلك الصراع في أوطانهم هي بعد يتم تجاهله إلى حد كبير في البحث وتحليل السياسات، على الرغم من أهميته الحاسمة. عادة ما يُذكر الشتات فقط في ملاحظات عابرة كعوامل سلبية في هذه العملية، كونها لا تعدو ضحايا لهذه الحرب أو مساندي ضحاياها الاقتصاديين، دون مزيد من النقاش. ومع ذلك فإن الأنشطة البعيدة المدى التي يقوم بها المغتربون لها آثار حاسمة على ديناميكيات الصراع في أوطانهم وعلى مستقبله في مرحلة ما بعد انتهاء الصراع المسلح. إن مجموعات الشتات هي إحدى القوى العالمية المعاصرة التي تشكل الاتجاهات والمآلات في القرن الحادي والعشرين.
لربما كنتم مثلي ممن أصبح أقل حماسة لأخبار الإنجازات السورية في دول المهجر، بين متفوقين في الدراسة، ونجوم صغيري الأعمار ساطعين في مجالات الأبحاث والعلوم والفنون والطبخ وغيرها. جزء كبير من هذه الإنجازات فردي ولازم الأثر إلى صاحبها، لا تأثير مباشراً له على باقي المجتمع السوري. لكن عدداً لا يستهان به من هذه الإنجازات -وإن أطّرناه بشكل فردي- إنما هو جزء من نجاح هذا الفرد السوري في التعاون والعمل مع فريق متنوع، وأدى هذا التعاون إلى إنجاز ننسبه نحن لهذا الفرد.
بنظري فإن إنجازات هذا الفرد تكمن في أمكنة أخرى؛ إحداها وصول هذا الفرد إلى درجة علمية أو احترافية كافية لتجعله يدخل في هذه التجارب الرائدة، من أنظمة الطاقة البديلة إلى الحوسبة والذكاء الصنعي والفنون والآداب والسياسة. لقد اكتسب السوريون مهارات ودرجات علمية لم يكن بالإمكان تحصيلها لولا انفجار هذه التغريبة المأساوية، ويالسخرية القدر! إلا أنه يبقى أحد شواهد قدرة عدد كبير من شباب هذا المجتمع على النمو والتأقلم وكسب الريادة على مستوى العالم.
أما ثانيها فهي كونه قد اكتسب خبرة ثمينة جداً في أسس العمل الجماعي تجعل من تكرار هذا العمل الجماعي في المستقبل أكثر قابلية للنجاح. هذه الخبرات تفوق غيرها في أهميتها بالنسبة إلى مستقبلنا نحن السوريين. إن تطور عملنا الجماعي بشكل عام -وإن ظل متواضعاً- ملحوظ. إن تحولنا من نظام شركات ومنظمات “أبو حميد” وأقربائه -الشكليي الوجود بكل حال- إلى مجموعات صغيرة من الأفراد يتشاركون القرار والمسؤولية هو أمر إيجابي، وما زالت أمامنا أشواط طويلة نقطعها في هذا المضمار، حتى نجد أنفسنا في يوم من الأيام قادرين على بناء تجمعات بشرية منظمة وموحدة، قادرة على اتخاذ خطوات يمكنها بالفعل تغيير مسار الأحداث.
علينا أن نطور طاقة بشرية بديلة لمجتمعنا الذي يخوض اليوم تجربة تغيير دموية، قد لا نعرف إلى أين تقودنا. لكن هذه الطاقة البشرية البديلة حتمية الأثر في حالنا المستقبلي.
نهاية أختم بجملة استوقفتني وأنا أبحث في هذا الموضوع، وأردت إيصالها إلى القراء الأعزاء. “لا تقتصر التحديات التي تواجه سيادة الدولة -على الصعيدين المحلي والدولي- على الجهات الفاعلة الخارجية، مثل الدول الكبرى والمنظمات الدولية. إنها تشمل أيضًا الشتات الذي هو “خارج الدولة” ولكن “داخل الشعب””. هذا الإدراك يجعل من الضروري أن نقوم بالتخطيط الاستراتيجي لأنشطة الشتات -على المدى البعيد- في صياغة الخيارات السياسية التي سوف تقودنا إلى الأمن والاستقرار السياسي والحكم الرشيد في سوريا ما بعد الأسد. هنالك الكثير من الحروب والكوارث الإنسانية التي لم تكن مآلاتها إلى اليوم باعثة على التفاؤل، إلا أن هذا لا يفرض علينا أي أشكال من حتمية الفشل. على مجتمع الشتات حمل ثقيل شاء أم أبى. ولكن “تصغر في عين العظيم العظائم”*.

Exit mobile version