عبد الله الخلف – الرقة
عندما كان زين (9 سنوات) يلعب في باحة المدرسة، دفعه فضوله الطفولي لاستكشاف الطابق الثاني (المدمر)، وقفز من فوق الحائط المبني على مدخل السلم المؤدي للطابق العلوي، وأثناء لعبه بين الأنقاض كاد أن يسقط من الأعلى لولا تدخل المعلمين.
حدث هذا في مدرسة بسام زيوار الابتدائية الواقعة في حي الدرعية غربي مدينة الرقة قبل نحو شهرين، يقول مدير المدرسة عيسى المطلق إنه وبعد تلك الحادثة يقف دوماً قرب مدخل السلم، خشية أن يتكرر مثل هذا الحادث مجدداً.
مضيفاً: “المدرسة تعرضت لغارة جوية شنتها طائرات التحالف الدولي عام 2017، وتم ترميم الطابق الأرضي من قبل لجنة التربية لاستقبال الطلاب أواخر عام 2018، ولكن اللجنة أجّلت ترميم الطابق الثاني إلى الصيف المقبل. ومن أجل حماية الأطفال بنينا حائطاً على مدخل الدرج، ولكن مع ذلك تبقى الخطورة موجودة، خاصةً أن هناك خرسانات شبه مدمرة تتدلى فوق المدرسة ونخاف أن تسقط وتحصل كارثة”.
وخلّفت حرب الرقة التي شنتها قوات سوريا الديمقراطية عام 2017 مدعومةً آنذاك من طيران التحالف الدولي لانتزاع السيطرة على المدينة من تنظيم داعش، دماراً هائلاً طال نحو 90% من المدارس، كما أدت سنوات انقطاع التعليم الخمس إلى نشوء جيلٍ جديد من الأطفال الأميين.
تركة الحرب الثقيلة وضعت لجنة التربية والتعليم التي أسسها مجلس الرقة المدني في تموز من عام 2017 أمام مهمة عسيرة لإعادة جيل تعوّد على رؤية المشاهد الدامية لمقاعد الدراسة من جديد. وزاد في صعوبة المهمة النقص الكبير في الأبنية المدرسية، حيث كانت هناك 512 مدرسة في الرقة وريفها عام 2011، أما اليوم بعد عشر سنوات تراجع عددها إلى 397 بحسب إحصائية للجنة التربية والتعليم.
ويشير هلال الجوديّة نائب رئيس لجنة التربية والتعليم إلى أنهم قاموا بترميم 201 مدرسة بشكل جزئي بتمويل من التحالف الدولي ومنظمات محلية ودولية، بالإضافة لـ 91 مدرسة تم ترميمها بشكل كامل.
ويقول الجوديّة: “توجد في الرقة اليوم 307 مدارس ابتدائية، و35 إعدادية، و3 ثانوية، بالإضافة لـ 52 مدرسة متعددة المراحل، ويتعلم في هذه المدارس 114000 طالب وطالبة، بكادر تدريسي يبلغ 4698 معلم ومعلمة”. ويتابع: “بنسبة تقريبية استطعنا ترميم ما يقرب من 70% من الأبنية المدرسية المدمرة في المدينة وريفها، وحالياً نحن في العام الدراسي الثالث بعد رحيل تنظيم داعش أنجزنا الكثير ومحونا أمية الآلاف من الأطفال وأعمال الترميم ما تزال مستمرة لغاية اليوم”.
وأثارت قضية المناهج جدلاً واسعاً في الرقة ودير الزور العام الماضي، حيث خرجت احتجاجات شعبية في ريف دير الزور الشرقي ضدّ تدريس المنهاج الخاص بالإدارة الذاتية، ليتم بعدها اعتماد منهاج اليونيسيف في مناطق الرقة والطبقة ودير الزور، أما منهاج الإدارة الذاتية فيتم تعليمه في محافظة الحسكة وناحية عين العرب/ كوباني ومنطقة الشهباء بريف حلب، أما في منبج وريفها فيدرّس منهاج النظام السوري.
وعن المنهاج المدرسي الحالي في الرقة يوضح الجوديّة: “المنهاج المتبع حالياً هو منهاج التعلّم الذاتي المقدم من منظمة اليونيسيف، المنظمة قدمت لنا 140 ألف نسخة هذا العام الدراسي، لم تصل بشكل كامل، وصلت على دفعات وما زلنا ننتظر الباقي، وبخصوص المنهاج الخاص بالإدارة الذاتية كان هناك اعتراض من قبل الأهالي عليه، وعقدنا اجتماعات مع عدد منهم في الصيف الماضي بهذا الخصوص، وتم اعتماد منهاج اليونيسيف بناءً على رغبتهم”.
وبالإضافة للمدارس التابعة للإدارة الذاتية يوجد في الرقة 51 معهد تعليمي خاص يستهدف طلاب الشهادتين الإعدادية والثانوية، الذين يدرسون منهاج النظام السوري ويذهبون لتقديم الامتحانات في مناطق سيطرته، حيث يفضّل كثير من أهالي الرقة حصول أبنائهم على الشهادات الصادرة عن النظام، كون الشهادات التي تصدر عن الإدارة الذاتية غير معترف بها دولياً.
وتقول أم ليان التي لديها ابنة في الصف الثالث الثانوي وتدرس في إحدى المعاهد الخاصة بالرقة إن تكاليف تدريس ابنتها مرتفعة للغاية، حيث تدفع في الشهر الواحد 45 ألف ليرة سورية، وتضيف: “وهناك مصاريف أخرى غير رسوم المعهد، مثل أجرة السفر كل فترة لمناطق سيطرة النظام بريف الرقة الشرقي، للتسجيل ولتقديم الامتحانات، ونتكبد عناءً كبيراً على الحواجز العسكرية عندما نذهب لهناك، وأنا لا أحب الذهاب لمناطق سيطرة النظام، ولكني مجبرة على ذلك لكي تحصل ابنتي على الشهادة الثانوية وتكمل دراستها الجامعية”.
وفي سياق متصل يسعى ناشطون في الرقة للحد من الأعباء التي يعاني منها السكان في تدريس أبنائهم، من خلال مبادرات تطوعية تعليمية، مثل مبادرة منصة Youth College – كلية الشباب، التي بدأت نشاطها قبل نحو ثلاثة أشهر.
ويقول حسن الشعيب أحد المتطوعين في المنصة إن “المبادرة عبارة عن منصة تعليم إلكترونية مجانية، تقدم خدماتها لطلاب المرحلتين الإعدادية والثانوية وفق مناهج النظام السوري التي يدرسها معظم الطلاب بالرقة”.
مضيفاً: “جائحة كورونا جعلتنا نفكر بطرق أكثر فعالية لتدريس الطلاب، الفكرة خطرت لنا بسبب ظروف الحظر والحجر الصحي، ورأينا أيضاً أن الكثير من الأهالي لا يستطيعون تحمل أعباء تدريس أبنائهم في المعاهد الخاصة، وحالياً نحن نستهدف 400 طالب وطالبة يدرسون الشهادتين الإعدادية والثانوية، يتابعون الدروس المصوّرة التي يلقيها 40 معلم ومعلمة متطوعين في المنصة، ويتم نشر هذه الدروس عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهناك تفاعل جيد من قبل الطلاب، وسنعمل لزيادة عدد الطلاب المستفيدين في العام الدراسي المقبل”.
ويكشف إحصاء للجنة التربية والتعليم بأن نحو 10% من الأطفال في محافظة الرقة لم يلتحقوا بالمدارس، واتجهوا للعمل نتيجة الظروف المعيشية الصعبة التي تعيشها البلاد، بالإضافة لآخرين يعيشون في مخيمات النازحين في الأرياف بعيداً عن المدارس.
مجلة مستقلة، تعنى بشؤون الثورة السورية، نصف شهرية، تطبع وتوزع داخل سوريا وفي عدد من مخيمات اللجوء والتجمعات السورية في الخارج