رسلان عامر
في مجتمعاتنا العربية، ما تزال هذه الفكرة -أي فكرة تفوق الرجل على المرأة- شائعة، ولديها الكثير من الأنصار المتحمسين الذين يدافعون عنها بشتى السبل..
فما هو الأساس الذي يعتمد عليه أصحاب هذا الرأي؟
العديد منهم يقول إن الأساس واضح، وهو سيطرة الرجل على المرأة منذ عشرات القرون، ولو لم يكن الرجل متفوقاً على المرأة، لما أمكن له وفي معظم مناطق العالم أن يسيطر عليها ويتحكم بها على مدى هذه الآلاف من السنوات!
فكيف يمكن الرد على هذا الرأي، الذي يمكن أن يبدو للوهلة الأولى واقعياً؟
في الواقع هذه السيطرة الذكورية التي يتم الحديث عنها هي نوع من أنواع “الغلبة” التي تعتمد بحد ذاتها على نوع من أنواع القوة، وكل قوة لها طبيعتها الخاصة، وميدان فعلها وتأثيرها المرتبطين حصرياً بهذه الطبيعة، وليس بالضرورة أن يكون الأقوى هو الأفضل، ولكنه قد يكون “صاحب أفضلية” في نطاق قوته هذه.
إن وحشاً في غابة -على سبيل المثال- يستطيع أن يصرع أذكى وأشجع الناس.. حيث لا يمكن للذكاء أو للشجاعة المجردين أو كلاهما معاً أن يكونا ذوي مفعول، ففي الغابة يسود قانون الغاب، وهو يقوم على أساس “الصُرعة”، فيتغلب الأقوى بمفهوم الغابية أو القوة الوحشية.
أما حيث يمكن لـ “قوة الذكاء” أن تأخذ مجراها، فالإنسان يستطيع أن يتغلب على أقوى الوحوش، وهو اليوم يصطاد حتى الحيتان، ولو لم تنقرض الديناصورات، لأمكن للإنسان بقوة ذكائه أن يصطادها أو يروضها.
واليوم في العلم المعاصر، في الكثير من الدول، كثيراً ما تسيطر طغمة قمعية فاسدة على المجتمع والدولة، فتحكمهما وتتحكم بهما، وتقصي الحكماء والشرفاء والعلماء والأذكياء والشجعان وجميع أصحاب الصفات الحميدة والكفاءات الرفيعة الأخرى، فهل تعني غلبة هذه الطغمة أن هذه الطغمة هي الأفضل؟!
الجواب الأكيد هو “لا”، فهذه الطغمة تتغلب عادة بسبب تطبيقها هي الأخرى لـ “قانون الغاب” وفرضه قسراً على المجتمع البشري، وتحوله إلى غابة؛ فتتغلب بشريعة الوحوش على كل من يتصرف فيه بنواميس الإنسان.
شيء مماثل يمكن قوله عن سيطرة الرجل الذكر التي لم تكن دوماً الخيار الوحيد للتاريخ البشري، الذي عرف حقبة أسبق كانت السيادة فيها للمرأة، ولم تكن عندها هذه السيادة قائمة على التفوق في القوة الفيزيائية، وإنما كانت مرتبطة بشكل رئيس بدور المرأة كأم.
إن وجود المرحلة الأمومية بحد ذاته يكفي لإبطال دعوى تفوق الذكر بناء على سيطرته التي بدأت في لحظة ما في التاريخ القديم، ولم تنته بعد حتى في عالمنا المعاصر. فوجود مرحلة تاريخية كانت السيادة فيها للنساء يسقط مقولة سيادة أحد الجنسين على الآخر على أساس امتلاك هذه السيطرة على أرض الواقع في عصر محدد ما.
في العصر الذكوري كانت القوة، وبشكل خاص القوة البدنية هي الفيصل، ففي المجتمعات البدائية حيث تكون هذه القوة ذات أهمية قصوى في الإنتاج الاقتصادي كالصيد والزراعة، وفي الدفاع ضدّ الأعداء البشريين الآخرين وضد الحيوانات الخطيرة، وفي حسم الخلافات بين البشر الذين يعيشون معاً.. الأفضلية تكون للرجل؛ فالرجل هو الأقوى بدنياً في الحالة الاعتيادية، ويضاف إلى ذلك أنه ليس لديه فترات مرتبطة بطبيعته الجنسية تضعف قوته كثيراً كما هو حال المرأة، التي لديها فترات حمل ونفاس وإرضاع ورعاية أطفال، تكون فيها غير قادرة على القيام بالمهام الأمنية والاقتصادية وغيرها من الأمور المعيشية الضرورية، فتصبح مجبرة على الاعتماد على الرجل، ويصبح الرجل هو القائم بمسائل الإعاشة والحماية، ويضاف إلى ذلك أفضليته في القوة البدنية الشخصية على المرأة، حتى في حالتها الاعتيادية التي لا تتدنى فيها قوتها هذه بسبب أدائها لوظائفها النسوية المذكورة. وهذا كله يعطي للرجل الإمكانية لأن يصبح المسيطر على مراكز القوة في علاقته مع المرأة، سواء على نطاق الأسرة أو على نطاق المجتمع!
وهكذا عندما أصبح الرجل هو المتحكم على نطاق كل من الأسرة والمجتمع، أصبح بمقدوره أن يقصي ويهمش المرأة، ويقلص وجودها بقدر ما يشاء، ويضعها في الموقع أو القالب أو الحد الذي يناسبه، وقد استمرت هذه الحالة طيلة الفترة التي كان بها المجتمع البشري شبيها بمجتمع الغاب، وهي حالة لم تنته بعد، ولن تنتهي في المدى القريب، وما تزال مستمرة حتى في عالمنا المعاصر، الذي ما تزال أكثرية مجتمعاته تغلب عليها شريعة الغاب، وإن تباينت الدرجات.
بالطبع لا يمكن فقط ربط سيطرة الرجل على المرأة فقط بعامل الأفضلية في القوة البدنية التي امتلكها في ظروف المجتمع البدائي، ولا شك أن هذه العملية لم تكن عملية بسيطة، ولا يجوز فيها إغفال المتغيرات الثقافية ودورها الفعال أيضاً، ولكن هذه المتغيرات هي نفسها تبقى متأثرة بغيرها من ميادين الواقع ومؤثرة بها بقوة، فالمجتمع ككل كلية متكاملة.
وخلاصة القول هي إنه لا وجود بتاتاً لأساس ثابت يمكن بموجبه الحكم النهائي بتفوق أحد الجنسين على الآخر، وما يحدث على أرض الواقع من هذا القبيل هو ظرفي تماماً، ومرتبط كلياً بظروف واقعه، ويتغير تبعاً لتغيرها.
مجلة مستقلة، تعنى بشؤون الثورة السورية، نصف شهرية، تطبع وتوزع داخل سوريا وفي عدد من مخيمات اللجوء والتجمعات السورية في الخارج