مجلة طلعنا عالحرية

مخاض تحت الحصار

لم يكن نقل امرأة في حالة المخاض بالأمر السهل على دراجة نارية، فالعائلة تسكن مزرعة متطرفة في مدينة سقبا في الغوطة الشرقية، ولا تملك وسيلة نقل أخرى. ستضع “اعتدال” حملها الثالث، وهي حامل بتوأم، وأجرت قبل سنوات عملية قلب مفتوح في بداية الزواج.

كانت “اعتدال” قد تردّدت خلال فترة الحمل على النقطة الطبيّة القريبة لسكنهم، وقد أشرفت عليها طبيبة وأولتها رعاية خاصّة بسبب خطورة الحمل على حياتها.

في عام 2016 توفيت 303000 امرأة حول العالم بسبب مضاعفات تتعلق بالحمل والولادة، جميع تلك الوفيات في البلدان النامية. ففي مقابل كل امرأة تموت هناك 12 امرأة تعاني من إصابات وعدوى.

يندرج هذا الأمر على الغوطة الشرقية، ولكن مع زيادة ملحوظة وخطيرة، استمرار الحصار منذ عام  2012، وازدياد أعداد الولادات الشهرية إلى قرابة 800/1000 حالة ولادة شهرياً، ومع عدم توفر الرعاية الصحية المطلوبة وندرة الحصول عليها في بعض القرى بالإضافة إلى رداءتها، ضاعف هذا الواقع عدد وفيات الأطفال عقب وفاة أمهاتهم.

قُدِّر عدد سكان الغوطة، حسب إحصائية للمكتب الإغاثي الموحد في الغوطة، بـ مليون و195 ألف نسمة، يمثل الأطفال 42% منهم.

تنقلت عائلة “اعتدال” بين عدة قرى وبلدات في الغوطة، ممّا ساهم في زيادة العبء والتعب على كاهل امرأة حامل، تعاني أصلاً من مشكلة صحيّة، بالإضافة إلى قلقها المستمر على حياة الجنين القادم، وخوفها من تبعات هذا الحصار، خصوصاً بعد ظهور حالات جرب وحكّة على أجساد طفليها الآخرين، فقد شهدت عدة مناطق في الغوطة تلوثاً لمياه الشرب، بعد القصف بالغازات السامة والكيميائية الذي تعرضت له المنطقة.

تعيش اعتدال حالة خوف كبيرة، تقول: “أخاف أن يفاجئني المخاض ولا أتمكن من الوصول بسهولة إلى المشفى في دوما” المشفى الذي يعمل الآن بأقل من ربع طاقمه الطبي؛ نقص في المعدات، نقص في المواد الطبية. بالإضافة إلى توقف العديد من المشافي وخروجها من نطاق الخدمة بعد قصف الطيران الحربي لها.

كذلك لا تخفي قلقها وخوفها من أن تلد جنيناً مشوّهاً، بعد مشاهداتها لعدد من هذه الحالات أثناء متابعتها الدورية عند الطبيبة النسائيّة.

 تقول: “شاهدت أكثر من ثلاث أو أربع سيدات أنجبنّ خلال الأشهر الماضية أطفالاً مشوهين، بسبب نقص الغذاء، ونقص الدواء، والمُكمّلات الغذائية، بالإضافة إلى أنواع الفيتامينات التي يجب أن تحصل عليها الحامل وتكون غير متوفرة في أغلب الأحيان في النقاط الطبية”.

في سنوات الحصار الثلاث الأولى كانت أغلب الولادات تتم في المنزل، بسبب الخوف من القنص، أو القصف الذي يستهدف المشافي، أمّا الآن فقد تمّ افتتاح عدّة مراكز توليد لتجنيب النساء مخاطر الولادة وما بعدها، من نزيف أو “حمّى نفاس” ومضاعفات أخرى ليست بالحسبان، نتيجة حالات الوهن والضعف العام التي تعاني منها الأمهات الحوامل.

قام زوج “اعتدال” في صبيحة الخامس من شباط 2017 بنقلها على دراجة نارية إلى مشفى دوما لتضع مولودها. فالأب الذي تعرّض العام الفائت لطلقة قناص كادت أن تودي بحياته، يريد أن يرى الحياة تخطو في بيته من جديد. حمل زوجته خلفه ومضى بها نحو المشفى، حيث تمّت عملية الولادة بشكل جيد دون مضاعفات وأنجبت اعتدال صبيين توأم.

بعد الولادة حمل الزوج زوجته وطفليه وعاد بهما إلى البيت. في اليوم التالي بدا الاعتلال على أحد التوأمين، فحمله الأب وعاد به إلى المشفى، حيث وضع في الحاضنة، لكن يبدو أنّ بنية الصغير لم تكن قويّة كفاية ليصمد أكثر، فتوفي بعد ثلاثة أيام على ولادته.

تعلّق اعتدال على ذلك بالقول: “كنت أعرف بأنّ على أحد منا الرحيل، لقد تعبت كثيراً في هذا الحمل، ولم أعرف كيف استطعت الصمود حتى الولادة. ربما هكذا أفضل لي وللصغير، فكيف أستطيع أن أؤمّن حليباً لصغيرين مع شحّ الطعام الذي نتناوله، وكيف أستطيع أن أؤمن حفاضات الأطفال التي إن توفرت هنا فبسعر غال جداً!”.

تتمنّى اعتدال لو أنها قدمت لهذين التوأمين ما قدمته لطفليها السابقين، لكنها “مشيئة الله” كما تقول.

Exit mobile version