Site icon مجلة طلعنا عالحرية

قبل كتابة الدستور.. فُكوا قيود المعتقلين والمختفين والمغيبين قسراً؛ ثم نكتبه معاً

كاريكاتير سمير خليلي

* مريم الحلاق

في شهر آذار/ مارس من العام الماضي، وداخل أروقة مبنى الاتحاد الأوربي بمدينة بروكسل، عقدنا اجتماعاً مطولاً مع مبعوث الأمم المتحدة جير بيدرسون. كنّا أربعة نشطاء من روابط الضحايا والمعتقلين، أنا والدة الشهيد الدكتور أيهم غزول من (رابطة عائلات قيصر)، وآمنة خولاني من (حركة عائلات من أجل الحرية) حيث توفي لها ثلاثة أخوة تحت التعذيب في سجون النظام الحاكم، هم عبد الستار ومحمد علي ومجد ، والمحامية نورة الصفدي زوجة الشهيد باسل الصفدي والذي قضى نحبه تحت التعذيب في غياهب سجون النظام أيضاً، والناشط والمعتقل السابق أحمد حلمي من (مبادرة تعافي).
آنذاك كان بيدرسون قد استلم مهامه حديثاً من المبعوث السابق ستيفان دي ميستورا، وفي بداية الاجتماع، بدأتُ برواية قصة اعتقال واستشهاد ولدي أيهم. لم أتمالك نفسي أثناء السرد وأنا أتحدث عن المراحل التي مرّ بها والعذابات التي تعرض لها، كحال جميع الذين طالهم الاعتقال ويتعرضون للتعذيب حتى يومنا هذا.
بعدها أوقفت سردي والتفت إليه وهو كان جالساً إلى جانبي، لأقول له ودموعي تنهمر: “أريد قبراً لابني”.
في هذه اللحظات اغرورقت عيون جميع الحاضرين بالدموع، ليقف السيد بيدرسون ويوضع يده على كتفي متعاطفاً، فتابعت حديثي لأقول: “أفرجوا عن بقية المعتقلين كي لا نطالب بقبور لهم”.
وضع بيدرسون يده على صدره وتعهد بأن يكون ملف المعتقلين من أولوياته في أولى مباحثاته مع مسؤولي النظام، وكانت لديه زيارة إلى دمشق مقررة بعد أيام من اجتماعنا.
مرّت الأيام والشهور والسنوات، ونحن ننتظر عقد جولة جديدة من اجتماعات اللجنة الدستورية نهاية الشهر الحالي، ولم نسمع عن أيّ بادرةٍ للوفاء بوعوده، ويبدو أن بيدرسون فشل في مساعيه كغيره من المبعوثين بسبب تعنت النظام وعدم قبول الحديث بشأن المعتقلين والمختفين قسراً.
وقد تبنى بيدرسون العمل على إطلاق اللجنة الدستورية، والتي هي نتاج مؤتمر سوتشي الروسي، ضارباً بعرض الحائط قرار مجلس الأمن (2254) والذي ينص على ضرورة الإفراج عن جميع المعتقلين، سيما النساء والأطفال، والكشف عن مصير جميع المفقودين والمغيبين قسراً لدى جميع الأطراف المتحاربة منذ قرابة 10 سنوات عجاف، وبأنّ يكون هذا الملف على رأس أولويات الأمم المتحدة والمبعوث الخاص وفريقه.
وعلى الرغم من الزخم الإعلامي والوعود التي أطلقها بيدرسون وكبار مساعديه، بضرورة معالجة أكثر الملفات الشائكة في سوريا، ألا وهي ملف المعتقلين والمغيبين قسرياً، حيث انطلقت أعمال اللجنة الدستورية (الموسعة والمصغرة)، وعقدت عدة جولات دون التوصل لأي نتائج ملموسة، مع احتفاء كبير من المجتمع الدولي وترقب كبير من قبل السوريين.
غير أن النظام لا يزال يعتقل أبناءنا ويغيّب عشرات الآلاف من السوريين والسوريات، ومازالت شهادات الوفاة تصدر دورياً لتخبرنا أنهم يموتون تِباعاً في المعتقلات، مع الإصرار على رفض الإفراج عنهم من قبل هذه الجهات المتصارعة في سوريا وعلى رأسها النظام الحاكم، وما يزيد الوضع تعقيداً تقديمهم لمحاكمات شكلية – صورية تفتقد إلى أدنى قواعد العدالة، دون الالتزام حتى بما يفرضه الدستور السوري نفسه والقوانين النافذة من إجراءات وضوابط وصيانة حقوق مواطني هذا البلد.
فالإفراج عن المعتقلين وتوفير البيئة الآمنة لهم، والعودة الطوعية للنازحين والمهجرين هي من أهم الأمور التي ينتظرها الشعب السوري المشرّد في جميع بقاع العالم، ويجب على الأمم المتحدة العمل بالضغط على النظام السوري للسماح الفوري لمنظمات حقوق الإنسان والجهات الإنسانية من دولية وسورية مستقلة بزيارة مراكز الاعتقال والسجون على الأراضي السورية، وضمان السير في إجراءات قضائية شفافة وعلنية لكل المعتقلين أياً كانت التهم الموجهة لهم.
*ناشطة من (رابطة عائلات قيصر)

Exit mobile version