مجلة طلعنا عالحرية

طفولةٌ مكدّرة.. الأطفال في ريف حلب
بين الحاجة والاستغلال!

حسين الخطيب

ارتفعت نسبة الأطفال العاملين في ريفي حلب الشمالي والشرقي، جراء الظروف المعيشية القاهرة التي دفعتهم إلى الخوض في مضمار العمل لإعالة أسرهم ومساندتها في تحمل قسوة الظروف الاقتصادية المرهقة، على الرغم من التحديات التي ترافقهم خلال الأعمال الشاقة التي لا تناسب أعمارهم.
الطفل أكرم (12 عاماً)، يعمل في ورشة إصلاح محركات السيارات في بلدة تل بطال بريف حلب الشرقي، منذ شهر على الأقل بعدما غادر المدرسة في سبيل مساعدة والده في مصروف أسرته المكونة من 9 أشخاص، بينهما والديه.
يحاول أكرم مساعدة والده في تحمل نفقات البيت، حيث يعمل والده معماراً، في القرى والبلدات المجاورة، ولا تتجاوز يوميته 50 ليرة تركية، وهي 3.30 دولار أمريكي، وهذه لا تكفي مصروفاً يومياً لأسرته، مما اضطر الطفل للالتحاق بالعمل، مقابل أجر يومي لا يتجاوز 30 ليرة تركية 2 دولار أمريكي.
كان أكرم متفوقاً في مدرسته، كما أوضح خلال حديثه لمجلة “طلعنا على الحرية”، لكن الظروف القاسية التي عصفت بالأسرة جعلت منه عاملاً يبحث عن رزقه في المنشآت الصناعية. بينما يمتد وقت العمل لنحو 9 ساعات في اليوم؛ حيث يخرج في الساعة 8 صباحاً من منزله الواقع في قرية تل بطال، إلى مركز تجمع المنشآت الصناعية في القرية، ويبقى في العمل يقوم بواجباته تجاه معلم الورشة التي يعمل بها حتى الساعة 5 مساءً.
وتتنوع المهن والحرف التي يعمل بها الأطفال في ريفي حلب الشمالي والشرقي، إلا أن معظمها تشكل خطراً على مستقبلهم، في ظل ازدياد متواصل لأعداد الأطفال الذين التحقوا بسوق العمل، لكسب الرزق وتغطية احتياجات معيشية، لا يستطيع معيل واحد من الأسرة تغطيتها.
أما الطفلة رُبا (10 سنوات)، فتخرج من منزلها الواقع في مدينة مارع بريف حلب الشمالي، بشكل يومي بعد عودتها من المدرسة ظهراً، بينما يكون خروجها إلى العمل أيام العطلة في التاسعة صباحاً، تحمل على كتفها حقيبة إكسسوار، تجول بها على المنازل الموجودة في الأحياء التي باتت تحفظها مثل اسمها، بحسب ما أشارت خلال حديثها لمجلة “طلعنا على الحرية”.
عند وصولها من المدرسة تضع على ظهرها الحقيبة وفي يديها ما تيسر من الطعام المتوفر في المنزل، لتخرج مسرعةً إلى العمل، وتبدأ جولتها المعتادة، حيث تطرق الفتاة منازل الناس وتسألهم عن رغبتهم في الشراء وغالباً ما تحصل الفتاة على موافقة أصحاب المنزل، تعرض عليهم بضائعها المتوفرة لديها والتي اشترتها والدتها التي تعمل في بيع الإكسسوار أيضاً من داخل منزلها.
وقالت الفتاة: “إن والدي عاطل عن العمل.. يعمل يومين في الأسبوع في حال كان العمل متوفراً، مقابل أجر يومي لا يكفي لوجبة طعام واحدة..”، وتتابع: “بدأت والدتي بشراء الإكسسوار من محال الجملة المتوفرة في الأسواق، وتبيعها في المنزل، وأنا أتجول ببعض البضائع”.
وعن طموحها أضافت رُبا: “أحلم بامتلاك الألعاب التي أراها خلال تجوالي في المنازل، أتمنى لو أجلس في منزلي وألعب بها في وقت فراغي من المدرسة، بدل العمل والتجوال بين الأزقة والشوارع”.
بينما يتعرض معظم الأطفال سواءً الذكور والإناث الذين يعملون في ريفي حلب الشمالي والشرقي، للكثير من الإهانة من قبل أصحاب المنازل بحجة الإزعاج، وبعض الأسر ترفض دخولهم إلى منازلهم، إلى جانب الاعتداء اللفظي عليهم.
أبو صافي نازح ليس لديه مكان يقيم فيه سوى الخيمة الواقعة بالقرب من مدينة اعزاز، ويبدأ عمله في الساعة السابعة مساءً بعد انخفاض أعداد الناس في الشوارع، حيث يتجول على مكبات النفايات، قرب المخيم العشوائي، حيث تتجمع هناك مئات العائلات وتشكل مجتمعات “فقيرة تعيش من قلة الموت” كما يصف الرجل خلال حديثه لمجلة “طلعنا على الحرية”.
ويوضح: “لا توجد لأبنائي مدرسة في النهار.. أرسلهم على مكبات النفايات المتوزعة في محيط المدينة، يجمعون منها كل ما يشاهدونه من قطع الحديد والبلاستك وغيرها، وعند المساء يتابعون العمل في النفايات معي على “الطرطيرة”، لنبيع ما جمعناه في اليوم التالي”. ويشكل هذا العمل مصدر الدخل الوحيد لأبو صافي، الذي يحصل في نهاية كل يوم على مبلغ يتراوح ما بين الـ 30 والـ 50 ليرة تركية.
وتعتبر عمالة الأطفال من أكثر التحديات التي تواجه السوريين، ولعل “الأسباب الرئيسية التي ساهمت في عمالة الأطفال هي الفقر وفقدان المعيل” بحسب ما أشار الناشط الإعلامي مصطفى بطحيش خلال حديثه لـ “طلعنا على الحرية”.
ويضيف: “كما أن العائلات التي لم تفقد معيلها لديها أطفال يعملون ويزاولون مهناً صعبة للغاية، لا يمكن أن يتحملها الكبار، لكن الحاجة أجبرتهم على العمل، لأن معظم الأهالي يعانون من انعدام مصادر الدخل وانخفاض قيمة الأجور، في ظل تردي معيشي متواصل تتعرض له المنطقة”.
وأشار إلى أن أصحاب العمل يطلبون عمالاً من الأطفال بسبب انخفاض أجورهم عن باقي الفئات العمرية، مؤكداً أن “معظم هؤلاء الأطفال تحولوا إلى أشخاص مسؤولين عن أسرة، ولا يمكنهم أن يقروا بأنهم مازالوا أطفالاً، لأن تغطية احتياجات أسرهم تفوق كل الاعتبارات الأخرى”.
تضاف إلى كل تلك المهن مهنة التسول، التي أصبحت لغة العصر الحالي في ظل الظروف المعيشية، وقلة فرص العمل، حيث يواجه الأهالي يومياً العديد من الأطفال يعملون على طلب المال من المارة بسبب حاجتهم الماسة لتأمين طعام أسرهم.
ومع كل ذلك الانتشار لعمالة الأطفال والتسول في ريفي حلب الشمالي والشرقي، لا تكفي جهود المنظمات الإنسانية والحقوقية لمواجهة الواقع المتردي الذي وصل إليه الأطفال، في ظل تعرضهم للاستغلال من قبل أصحاب العمل، مع مستقبل مجهول بات أمراً واقعاً عليهم.

Exit mobile version