مجلة طلعنا عالحرية

طائفة سورية جديدة ظهرت بعد الثورة اللبنانية!

مع بدء الثورة في لبنان ونزول الشعب هناك إلى الشوارع، متحدياً نظامه القائم على المحاصصة الطائفية، عشنا، كسوريين، لحظاتنا الأولى عام 2011، وكأننا هناك في الزمان والمكان قبل ثماني سنوات! هنا ثورة وهناك ثورة، وحبل المشيمة واحد كما يبدو.
هزّت أمواج اللبنانيين من شمالي البلاد إلى وسطها وجنوبها، أركان الحكومة في بيروت، فسقطت، بانتظار زلزال كبير في قصر بعبدا ينتج عنه ما يتمناه الثائرون الذين أبدعوا بلا حدود منذ السابع عشر من شهر تشرين الأول، وما نتمناه لهم، سقوط النظام الطائفي والبدء ببناء منظومة مصلحتها الأولى شعب لبنان.
لكن بينما جمهور الثورة السورية يتابع ما يحدث في لبنان، بشغفه الأول وكل مشاعره التي كان يشعر بها في شوارع سوريا، ثمة جمهور سوري آخر يعاديه جداً ويتفق معه في آن واحد، ولكن حول ثورة أخرى! هو جزء من مؤيدي النظام السوري وعاشقي بشار الأسد. هنا تبدو أم التناقضات بشكلها الفاقع والقبيح: مؤيدون لدكتاتور قتل جيشه وميليشياته 199455 مدنياً ومدنيةً في سوريا بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، ويشجعون ثورة تحدث في بلد آخر، يتغنون بها ويؤيدونها، بينما يرون في ثورة أبناء جلدتهم مؤامرة كونية تستهدف مخلّصهم وسيّدهم وقائدهم الأبدي.
المشكلة معقدة في هذه الحال لكنها بسيطة، قد لا يفهمها هذا الجزء من الناس (جمهور الأسد مؤيد الثورات خارج سوريا) فثمة مفاهيم لا تتجزأ؛ المجرم مجرم حين يقتل ويعتدي، بغض النظر عن عرقه ودينه وحتى دوافعه، ذلك أن فعل القتل واضح ومجرد بذاته لغوياً لا يحتاج للكثير من التفسير والتحوير، ولا يمكن تجزيؤه! وكذا الدكتاتور الذي وصل إلى سدة الحكم في بلد ما، وقتل أبناء شعبه، يظل دكتاتوراً بأفعاله، من صدام حسين إلى حافظ الأسد وابنه، مروراً بمعمر القذافي، وليس آخراً زعماء الطوائف في لبنان، وما يشبههم من زعماء الدول العربية الذين سقطوا وغيرهم من الحاليين.
وكما هذه المفاهيم غير قابلة للتأويل، كذلك ثورات الشعوب على أنظمتها البائسة التي مصّت دمها وفعلت ما فعلت بها. فثورة اللبنانيين تمثل أهلها وكل طالبي الحرية والعدل، وتمثلنا كسوريين ضدّ الدكتاتورية، تشبهنا ونشبهها، وتذكرنا بكل التفاصيل الجميلة في ثورتنا، التي حرقتها الدول المتحكمة حالياً بأرضنا وحدودنا ومصيرنا.. ودستورنا!
ربما يبدو كل ما يحدث حول العالم في كفّة، وأولئك (جمهور الأسد مؤيد الثورات خارج سوريا) في كفّة أخرى، أو كوكب آخر، إذ تستحق أن تتزعم هذه الجوقة الغريبة فنانات وفنانون يعشقون الأسد حتى الموت، يتفقون مع الظلم بفجاجة، ويختلفون معه بفجاجة أكبر في مناطق أخرى، ليشكلوا طائفة مقيتة جديدة ظهرت مؤخراً -أو كانت موجودة ولم ننتبه- في سوريا، شبيهة بأسوأ أنواع السياسة!

Exit mobile version