مجلة طلعنا عالحرية

رزان… خمس حقائق / أبو القاسم السوري

 

كلما استحضرت قضية اختطاف الناشطة الحقوقية رزان زيتونة ورفاقها سميرة وناظم ووائل، والتي جرت قبل عام في مدينة دوما في قلب الغوطة الشرقية تستوقفني خمس حقائق وهي:

الحقيقة الاولى:

ان رزان من القلائل جداً التي يمكن ان تقابلهم في الغوطة الشرقية والذين يحملون منطق التفكير الدولاتي، اي التفكير بمنطق الدولة، سواء لمقاربتها للبناء الطبقي والاجتماعي للمجتمع السوري او لطريقة بناء السلطة وطبيعة الميكانزمات التي يجب ان تحدد العلاقة بين المواطن والسلطة التي تحكمه، أو لطريقة بناء المؤسسات والمعايير الاساسية التي بجب ان تنشأ عليها هذه المؤسسات، بالإضافة الى الوعي الكبير لأهمية دور منظمات المجتمع المدني والعمل الحثيث على ترسيخها في الغوطة الشرقية وتفعيلها كضامن حقيقي للشعب السوري بوجه كل من يريد تشويه صورة ثورته وحرفها باتجاهات لا تمت للثورة بصلة، لذلك فان الجهة التي غيبت رزان تهدف الى أن لا يسود فكر الدولة ضمن المجتمع السوري، بل تريد ان يبقى فكر الفوضى هو السائد لأنه غذائها الذي يبقيها على قيد الحياة.

الحقيقة الثانية:

ان عملية الاختطاف لا يمكن تفسيرها او تحليل الدوافع الكامنة وراءها الا بالعلم الجنائي السياسي، أي أن الدافع الحقيقي وراء اختطاف رزان هو سياسي بامتياز يهدف اساسا لتنحية المشروع السياسي الذي كانت رزان تعمل عليه من خلال تغييب رموز هذا المشروع ولعل ابرز مصطلحات هذا المشروع هو الوطن، المواطنة، حق التعبير، حق الاختلاف، الانتخابات كطريقة للوصول الى السلطة، تداول السلطة، المجتمع المدني، التحديث، والعديد من المصطلحات الاخرى، ويمكن القول أن عملية الاختطاف ساهمت بطريقة ما في أن تغفو اغلب الاصوات التي كانت تنادي بهذه المصطلحات، ولكننا اليوم امام هبة سياسية قوية تعيشها سورية عموما والغوطة الشرقية خصوصا تعيد لهذه المصطلحات بريقها ولمعانها اذا يمكن القول ان عملية تغييب رزان لأسباب سياسية باءت بالفشل.

الحقيقية الثالثة:

إن عملية الاختطاف تظهر مدى خطورة تجذر مفهوم الدولة العميقة لدى القوى المسيطرة على الارض، فأية جهة كانت هي التي خطفت رزان فان هذه الجهة لا تعير أي احترام لتغييب المواطن في غياهب سجونها عدة سنين دون محاكمة او توجيه اتهام له او على الاقل الاعتراف بان هذه المواطن موجود لدى هذه الجهة، ومن هنا تظهر خطورة ان تصبح مثل هكذا جهات متحكمة بمصير السوريين.

الحقيقة الرابعة:

أن المحدد الرئيسي لتحديد العلاقة بين اغلب القوى السياسية الفاعلة في المجتمع السوري مازال هو الاقصاء، فمفهوم عملنا ضمن الحيز المجتمعي السوري لا يقوم على اساس التشاركية والقبول بالأخر، بل بالعكس يقوم على اساس التفرد واقصاء الاخر وعدم القبول به، واذا ما بقي هذا الاساس هو السائد لدى المجتمع السوري فان هذا المجتمع لن يستطيع الخروج من اتون الصراعات والتناحرات، فلا أحد يمكنه ان يمتلك المعرفة كاملة وان يملك الحق المطلق في قيادة المجتمعات وتوجيهها.

الحقيقية الخامسة:

إن رفضنا المطلق لسياسية الاختطاف ينبني اساسا على قناعات سياسية وحقوقية تتصل بحقوق المواطن، ولكن بما يتصل بقضية رزان فإن عملية الاختطاف تحمل ابعاد اخرى لعل اهمها البعد الاخلاقي والانساني، فرزان لم تدخر جهدا في سبيل نضالها ضد هذه الممارسات، وخاصة ضد نظام الاسد الذي يعتمد اساليب القمع ومنها الخطف بوجه معارضيه، بالإضافة الى ان رزان آثرت العمل الثوري مع الناس، ومن قلب الثورة في الغوطة الشرقية ضمن الحصار والقصف والجوع، منخرطة مع ابناء شعبها في معاناتهم وتضحياتهم في سبيل تحقيق حريتهم بوجه النظام، لذلك فمن الواجب الانساني علينا جميعا ان نقف سدا بوجه من قام بهذا العمل.

Exit mobile version