مجلة طلعنا عالحرية

تراجع زراعة التفاح في ريف إدلب الغربي

علي الدالاتي – إدلب

“افتقدت إلى مقومات العيش واﻻستمرار لكننا نحاول أن نتدارك هذا باﻹمكانيات المتاحة”. كان أبو محمد يردد هذه الكلمات وهو يسابق شروق الشمس ليبدأ العمل في كرم التفاح الخاص به على أطراف بلدته بداما في ريف إدلب الغربي. وهو الذي دأب على ممارسة هذا العمل برفقة والديه ثم زوجته منذ ما يزيد عن 50 عاماً.
ويشتكي أبو محمد كما باقي مزارعي بلدة بداما، جملةً من المشاكل التي تعيق عملهم في زراعة التفاح، مع بداية كل موسم زراعي، حيث يبدو للحرب أثر كبير وبصمة واضحة، إضافة لارتفاع أسعار البذار والمحروقات، وغياب أسواق التصريف، ومنافسة المنتج التركي للمنتج المحلي.

معطاءة لا تقبل اﻹهمال
تعتبر زراعة التفاح في بلدة بداما المصدر الرئيسي وشبه الوحيد للدخل المالي للأهالي قبل الثورة السورية في عام 2011، ومع بداية الثورة بدأت زراعة التفاح بالتراجع سنة بعد سنة، وفق المهندس الزراعي “نوري حج خالد” الخبير الزراعي. وأضاف حج خالد: “من المعلوم أن شجرة التفاح لا تقبل الإهمال؛ فهي شجرة معطاءة وذات ناتج ممتاز في حال وجدت الخدمة الزراعية. وكلما زادت خدمة الأرض التي توجد فيها هذه الشجرة كلما زادت كمية الإنتاج”.
وتابع المهندس نوري مستطرداً: “وصل إنتاج الهكتار الواحد قبل عام 2011 لأكثر من 100 طن من التفاح، وهذا معلوم لكل من عمل بهذه المهنة، أما اليوم ومع مرور السنوات انخفضت كمية الإنتاج أكثر من 75 بالمئة، وذلك بسبب الإهمال الذي حصل لهذه الشجرة”.
ويعود سبب اﻹهمال والتراجع إلى وجود المنطقة في خط المواجهة مع قوات النظام، مما أدى إلى تعرض المنطقة للقصف بشكل يومي ومكثف، ما أدى بدوره إلى حرق الأراضي الزراعية المزروعة بأشجار التفاح، وتدمير البنية التحتية الزراعية فيها”.
وبحسب أهالي المنطقة فإن قصف الأراضي الزراعية كان ممنهجاً وبقصد تهجير الأهالي خارج البلدة، فهذا ما حصل ولأكثر من مرة؛ حيث اضطر معظم الأهالي لترك البلدة خوفاً من القصف. وكان النصيب الأكبر من الخسارة هو ما لحق بشجرة التفاح التي تعني الكثير بالنسبة لأهالي بداما، كونهم عاشوا مع تلك الأشجار وأحبوها، وهي بدورها بادلتهم الحب. ولكن بعد الأيام العجاف التي خلفتها الحرب أصبحت معظم أشجار التفاح في عداد الموتى بعد هجرها من أصحابها، وعدم الاعتناء بها بسبب القصف المكثف على المنطقة”.

أسباب اقتصادية لتراجع زراعة التفاح
ويرجع الخبير الزراعي “حج خالد” سبب التراجع في زراعة التفاح، إلى عوامل اقتصادية؛ ويقول: “السبب هو تغير البيئة التي أصبحت مفروضة على مزارعي التفاح، من نزوح بعض الأهالي إلى خارج البلاد (تركيا وأوروبا وبعض الدول العربية وغيرها)، إضافة لقلة ذات اليد للمزارعين، لعدم وجود دخل مالي يتوافق مع المصاريف اليومية، فلا يتبقى مال لتقديم خدمات لشجرة التفاح من سقاية وتغذية وغيرها، هذا بالإضافة لصعوبة السيطرة على الآفات التي تصيب الأشجار، واستعمال المبيدات غير المجدية (الصينية) وغير المراقبة والتي كانت سبباً في تزايد الأمراض وتدهور مواسم التفاح المتبقية في المنطقة. كما أدى إغلاق معظم الأسواق التجارية أمام المزارعين لصعوبات إضافية”.

مشكلات زراعية وتكاليف مرهقة
بدورهم تحدث بعض مزارعي التفاح في بداما لطلعنا عالحرية بأن التكلفة المرتفعة نظير اﻻهتمام بشجرة التفاح أرهقتهم، إﻻ أن موجات الصقيع العام الفائت، أثرت بشكل كبير على اﻹنتاج، وعرضتهم لخسائر كبيرة. وأضاف البعض: “واجهنا الخسارة لوحدنا، فلا تعويضات من أي جهة داعمة”.
ﻻ تقتصر المشكلة عند مزارعي التفاح في بداما بما سبق؛ فالجميع يشير إلى أن غلاء اﻷسمدة، وارتفاع أسعار المحروقات، وكذلك أسعار المبيدات الحشرية ونوعيتها الرديئة، كانت عوامل لعبت دورها هي اﻷخرى.
العم “أبو محمد” وهو مزارع في المنطقة قال لطلعنا عالحرية: “احترقت معظم اﻷشجار نتيجة قصف قوات اﻷسد المتعمّد على البلدة، يعني أننا أمام غياب فرصة إحياء الشجرة، وضرورة إعادة زراعة اﻷرض بها، مع احتمال خطر القصف غير المستبعد”.
وبعد توقف العمليات العسكرية نتيجة التفاهمات التركية- الروسية لم يتغير اﻷمر كثيراً، بحسب العم “أبو محمد”؛ فالمشاكل ما تزال قائمة، والتي لخصها بقوله: “التكلفة المرتفعة، وغياب الدعم”.
ووفقاً للعم “أبو محمد” تعرضت بلدة بداما لقصف ممنهج من قبل قوات النظام المتمركزة في جبال ريف اللاذقية؛ أسهم في احتراق مساحات زراعية شاسعة، وخسائر فادحة للمزارعين.
وأضاف: “لانزال نخشى عودة التصعيد.. ﻻ يوجد أمان.. ولم نعد نتحمل المزيد من الخسائر المالية.. والغلاء المعيشي واضح كما تعلم”.
ويرجح أهالي المنطقة أن عودة اﻻستقرار للبلدة دفع نحو 900 عائلة للرجوع إلى منازلهم وأراضيهم، ويقدر هؤلاء مساحة الأراضي المزروعة بـ 5500 دونم.

غياب الرؤية اﻻقتصادية
بدوره قال الخبير اﻻقتصادي، معاذ بازرباشي لطلعنا عالحرية: إن “غياب الرؤية اﻻقتصادية في المحرر، رغم خفض التصعيد والهدوء النسبي للعمل العسكري، أرخى بظلاله على إنتاج شجرة التفاح، إضافةً لمنافسة نظيرها التركي في السوق”.
وتابع: “نفتقر إلى خطة حقيقية، لتطوير الواقع الزراعي عموماً، وهذا يحتاج إلى جلسات وتنسيق على مستوى عالٍ من جميع المعنيين، في مجالي الزراعة والاقتصاد، للخروج بصيغة وآلية عمل تعيد إلى تلك الزراعة تألقها، فضلاً عن كونها ستحقق دخلا للفرد والمنطقة”.
بدروه يقول “حمزة أبو أحمد” أحد أهالي المنطقة: “منطقة بداما يتبع لها 30 قرية ومزرعة، كلها كانت تشتهر بزراعة التفاح، لكنها تراجعت بنسبة 80 بالمئة، بسبب الحملات العسكرية التي تعرضت لها المنطقة والقصف والنزوح.. وغيره”.
وأتم قائلاً: “هذه المنطقة نزح أهلها أكثر من 20 مرة، بسبب قصف قوات النظام واﻻحتلال الروسي”. وأضاف: “لقد تراجعت زراعة التفاح، فنتيجة النزوح أُهملت الشجرة وفقدت الاتصال بينها وبين المزارع، ومعروف عنها أنه إذا أهملت سنةً أو أكثر تتراجع، مما يؤدي إلى يباسها أو موتها بشكل نهائي”.
ويتابع أبو أحمد عن تراجع زراعة التفاح: “هناك أسباب أخرى، فاليوم ﻻ توجد حملات عسكرية.. والناس تقريباً عادوا إلى المنطقة، لكنهم وجدوا بساتينهم كلها يابسة، فهم يحاولون زراعتها ثانية”. وأضاف: “المنطقة غنية بالمياه، لكن استخراج المياه الجوفية مكلف؛ فالبير بحاجة لمولدة وديزل، وحتى اليوم لا تتوفر أنظمة طاقة شمسية كافية، فضلاً عن كونها مكلفة جداً”.

ضعف إمكانيات ورسائل للجهات المعنية بالحل
ويحاول اليوم كثير من المزارعين إحياء هذه الزراعة، لكن الإمكانيات بين أيديهم ضعيفة، وطالب المزارعون في حديثهم مع طلعنا عالحرية، بالدعم ﻹحياء تلك الزراعة من جديد، وحدّدوا نوعية الدعم بتوفير اﻷدوية واﻷسمدة، وسبل استخراج المياه من اﻷرض، أو تزويد المزارعين بأنظمة الطاقة الشمسية لسقاية اﻷرض”.

Exit mobile version