Site icon مجلة طلعنا عالحرية

بوركيني: الصراع على المرأة المسلمة في أوروبا

وائل السواح

أبدأ بالتالي: شخصياً لا أحب البوركيني، ولا أعتبر جسد المرأة عورة في أي من أجزائه. شخصياً أيضاً: أنا مع حرية المرأة في اختيار ملابسها وزيها ما دامت غير مجبرة على ذلك. ومع ذلك ثمة قوانين وأعراف ينبغي الالتزام بها. وإذا كانت شواطئ بلد ما تحظر السباحة بغير ملابس السباحة المتعارف عليها، فليس من غير المفهوم تدقيق السلطات المختصة في ذلك.

ليس لدي، إذاً، مشكلة مع السيدة التي ترتدي البوركيني. مشكلتي بالتأكيد مع زوجها الذي يسبح بجوارها بالشورت فيستمتع بلسعة المياه الباردة ويستعذب أشعة الشمس الدافئة. مشكلتي مع العقلية التي تقول إن جسد المرأة ليس ملكاً لها وإنما لزوجها أو لأي رجل في عائلتها. مشكلتي مع العقلية التي تعتبر أن الرجال ذئاب سيقفزون على أول امرأة يصادفونها من دون حجاب. ومشكلتي أخيراً مع مفهوم العورة. فمن غير المعقول أن يخلق الخالق شيئاً ويستحي منه فيأمر بتغطيته.

وكانت بعض وسائل الإعلام نشرت صوراً تظهر أربعة رجال شرطة فرنسيين وكأنهم يقومون بإجبار امرأة مسلمة على خلع البوركيني على شاطئ بحري في مدينة نيس جنوب فرنسا. وسرعان ما انتشر الخبر على وسائط التواصل الاجتماعي، ما بين مؤيد للخطوة ومعارض لها.

وتأتي هذه الخطوة إثر قرار بلدية نيس الفرنسية ومعها أربع عشرة مدينة أخرى منع السيدات من السباحة بملابس غير ملابس البحر المعتادة، بما في ذلك البوركيني. وقالت نائبة رئيس بلدية مدينة نيس إن حظر البوركيني بات ضرورة بعد هجمات “الجهاديين” الشهر الماضي، عندما قتل إرهابي جهادي 84 شخصاً وجرح مئة آخرين في عملية دهس بشاحنة استهدفت حشداً لمحتفلين باليوم الوطني لفرنسا في مدينة نيس جنوبي فرنسا. ولكن المجلس الإسلامي في فرنسا عبر عن قلقه بسبب الاتجاه الذي يتخذه الجدل في فرنسا، ولسوف تناقش أعلى محكمة إدارية في فرنسا دعوى لإلغاء حظر البوركيني.

ووقف كتاب ومثقفون وحقوقيون ضدّ الحملة الفرنسية على السيدات اللواتي يرتدين البوركيني. وكتبت الكاتبة اللبنانية ديانا مقلد على صفحتها على فيسبوك: “ما قدرت لما شفت صور السيدة التي أجبرت على خلع ملابسها على الشاطئ الفرنسي أن لا أستحضر في ذهني مشهد مطوع أو أي شخص يفرض على النساء تغطية أنفسهن.. لا أدري لماذا يجب أن أفترض أن هناك فرقاً.. الخوف من عري النساء يعادل الخوف من ملابسهن..إنه الخوف وليس اللباس..”. وتساءل المدير الإعلامي لمنظمة هيومان رايتس ووتش (Human right Watch) أندرو سترولاين (Andrew Stroehlein) متهكماً في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”: “كم شرطياً مسلحاً نحتاج لإجبار امرأة على التعري في العلن”!، بينما نشر إمام إيطالي على حسابه في “فيسبوك” صورة لراهبات على الشاطئ دون أي تعليق مصاحب للصور.

أحسب أن الجدل سيستمر طويلاً جداً في أوروبا والعالم العربي حول الحجاب والنقاب والبوركيني وحال المسلمين في أوربا، خصوصاً بعد موجات اللجوء الكبيرة التي اجتاحت القارة قادمة من سوريا والعراق وأفغانستان والصومال وشمال أفريقيا والهجمات الإرهابية التي تعرضت لها مدن رئيسية في فرنسا وبلجيكا وغيرها. وسيستمر المدافعون عن “حق” المرأة في اختيار لباسها في توضيح وجهة نظرهم هذه في أوروبا. ولن أختلف معهم هنا أبداً، بيد أنني لا بد أن أختلف معهم حين يحصرون حق المرأة في لبس ما تريده في أوروبا ويسكتون عن هذا الحق في بلادنا. معظم المثقفين الذين انبروا للدفاع عن البوركيني وقبله عن النقاب لم يبدوا نفس الحماس في الدفاع عن حق المرأة في السفور وقيادة السيارة والعمل والأجور المتساوية والمدارس المختلطة وارتداء ملابس السباحة العادية وادعائها الحقوق السياسية في تولي مناصب القضاء والحكم في بلدان مثل السعودية وقطر ومصر والعراق والأردن إلى آخر السلسلة.

واقع الحال أننا غالباً ما نقع في تناقض مع أنفسنا كلما اقتربنا من مناقشة وضع المرأة وحقوقها الأساسية، ولسان حالنا يقول عندما يتعلق الأمر بنسائنا في بلداننا: “ليس في الإمكان أبدع مما كان” متذكرين الواقع والواقعية والتقاليد والأعراف.

في سوريا، كانت المرأة في طليعة صفوف السوريين الذين خرجوا إلى الشارع مطالبات بالحرية والكرامة والمساواة، ومطالبات بإسقاط نظام الاستبداد والقمع. ولنتذكر هنا رزان زيتونة ودانة الجوابرة وهرفين أوسي وناهد بدوية وسيرين خوري وربا اللبواني ونسرين حسن ووفاء اللحام وليلى اللبواني وضحى حسن وريما فليحان. والحال إن هذا الدور سرعان ما تراجع عندما بدأت أموال الخارج تنصب على الذكور المسلّحين ليطيلوا لحاهم ويرفعون شعارات إسلامية متخلين عن شعارات الثورة الأساسية. وللأسف لم يرفع المثقفون والحقوقيون الصوت عالياً احتجاجاً على تهميش دور المرأة وإرجاعها إلى الصفوف الخلفية، من ثم إيداعها في البيت والحجر عليها.

أخيراً، سيكون من الصعب أن أنهي هذه المقالة من دون الإشارة على رواية مايا الحاج الجميلة، “بوركيني” وهي الرواية التي طرحت مجموعة من الأسئلة الشائكة التي يهرب معظمنا من الإجابة عليها من خلال شخصية فنانة تهوى رسم الأجساد والعري الأنثوي، في وقت اختارت أن تغلق هي جسدها وتغطيه. هي امرأة اعتقدت أنها ستجيب عن أسئلتها من خلال الإيمان، ولكنها عندما فشلت لجأت إلى الفن. امرأة محجبة، ولكنها تقول بجرأة غريبة: “كم شاهدت هذا البوركيني (البيكيني الشرعي) لدى صديقات لي محجبات يعشن في بلدان لا مسابح نسائية فيها. لكنني لم أستطع أن أتصور نفسي أرتديه يوماً. فإما البيكيني في مسابح النساء وإما لا نزول في الماء. فما أحب في السباحة هو أن يغمرني الماء وتتلألأ حباته على جسدي. أنا أعيش فعلاً بين عالمين: بين ملابسي المحتشمة وأفكاري المتحررة، بين حجاب رأس يغطيني وأجساد عارية تستهويني، بين البرقع والبيكيني”.

والخلاصة: إن كان من حق المرأة أن ترتدي البوركيني في فرنسا فمن حقها أن تستحم بالبكيني في بلادنا، ومن المخادعة القبول بأقل من ذلك. ومع ذلك سأقبل بأقل من ذلك: السماح للنساء بالسباحة بالبروكيني في فرنسا وفي بلادنا، فهل نستطيع؟

 

Exit mobile version