Site icon مجلة طلعنا عالحرية

بتر الإحساس.. إفتتاحية طلعنا عالحرية

مجدّداً، يتعرض مكتب مجلة طلعنا عالحرية في مدينة دوما للقصف بصاروخ فراغي موجّه أطلقته طائرات النظام، في تصعيد عسكري جديد وقصف متواصل يطال الأحياء السكنية في بلدات الغوطة الشرقية المحاصرة.

وقد أسفر القصف المستمر يوم الأربعاء الماضي عن ارتقاء ثلاثة شهداء على الأٌقل بينهم طفلة، وعشرات الجرحى في مدينة دوما وحدها. كما أدى إلى خروج مكتب مجلتنا عن الخدمة مؤقتاً مع العديد من المكاتب المدنية العاملة في مدينة دوما كما أكد الزميل أسامة نصّار مدير مكتب مجلة طلعنا عالحرية، وكان من بين المكاتب المتضررة مكتب دعم التنمية والمشاريع الصغيرة، مكاتب شبكة حراس، ومكتب مركز توثيق الانتهاكات في سوريا.

هذه المرة الثانية التي يستهدف فيها النظام هذه المكاتب خلال أقل من شهرين، حيث تمّ استهداف المجمع الذي يضمّ مكتب المجلة مع المؤسسات المدنية الأخرى بتاريخ 22 تموز الماضي.

على المستوى العقلي والواعي واللفظي ندين جميعاً هكذا اعتداءات، وخاصة أن كل العاملين بهذه المكاتب يعملون  في المجالات  المدنية وبالمشاريع الإنسانية، ولا علاقة لهم بأي نشاط عسكري. لكن من المؤسف الاعتراف أن تعاملنا جميعاً نحن السوريين الذين لم يطالنا القصف الهمجي هذه المرة، على المستوى الوجداني والعاطفي يثير  الخجل، لا بما يخص هذا “الخبر” بالذات.. إنما بكل أخبار القتل والمجازر والتدمير..

كيف أصابتنا  البلادة وتحجرت مشاعرنا وكأننا نتناول أحداثاً عادية لا تنتهك أبسط البديهيات الإنسانية، ولا تتعلق بمصير وحيوات البشر؟!

إنها من خسائرنا الكبرى بعد تحول ثورة الحرية والكرامة إلى حرب مفتوحة لا أفق لها؛  فبالإضافة إلى أننا فقدنا الكثير من الأهل والأصدقاء والأحبة بين شهيد ومعتقل ومختطف.. وخسرنا البلد بين تدمير وتهجير،  إلا أننا خسرنا أيضاً قدرتنا على الإحساس بكافة أشكاله. لقد تم فعلاً خلال السنوات الماضية بتر جزء هام من إنسانيتنا.

ربما قد نحتاج إلى أجيال لنتخلص من ندوب وآلام هذه الحرب، ولتعود لنا القدرة على الإحساس بالألم والحزن والفرح وكل المشاعر الخاصة بالإنسان.

عبثاً ننثر الأخبار هنا وهناك على صفحات العالم الافتراضي، علّها تحظى ببعض الاهتمام والتعاطف.. يبدو أنه قد بات من الصعب حتى على السوريين قبل غيرهم إعلان التضامن الكلامي أو الوجداني.

قد يبدو من الحكمة نسيان الألم والصبر على الشدائد، لكن ليس من الحكمة أن تصبح المصائب عادة يومية نتقبلها ببلادة وبلا مبالاة. يجب أن تبقى فينا بقايا إنسانية تحثّنا على عدم تقبل الواقع المرير، وهذا شرط أولي لمواصلة النضال من أجل التغيير.

Exit mobile version