Site icon مجلة طلعنا عالحرية

المرأة السورية زمن الثورة والحرب في ثلاثة كتب

مصدر الصورة: انترنت

انخرطت المرأة السورية في الثورة منذ صرخة الحرية الأولى في آذار/ مارس 2011، متحدية بجسارة قل نظيرها مخاطر القمع والقتل اليومي في ميادين الحراك السلمي كافة. وعلى مدار ثماني سنوات كانت ثورتها ضد النظام الحاكم وضد كل السلطات والممارسات والقوانين التي قيدتها وأهدرت كرامتها في العقود الخمسة الماضية، لكن مع موجات القمع الدموي الذي طاول جميع المحتجين في كل المناطق السورية، وجدت نفسها تصارع مصيراً مجهولًا في السجون ومخيمات اللجوء والنزوح، أو تحت سماء الوطن النازف لتكون الخاسر الأكبر في هذه الثورة التي حوّلها الطغاة والغزاة إلى حرب طاحنة.
عن هذه الحرب التي كلفت نساء سوريا أثماناً فادحة، وعن نضالات وعذابات النساء السوريات التي حوّل القتلة آمالهنّ إلى آلام، صدرت في السنوات الماضية عدّة كتب وثقت لدورهنّ ومكانتهنّ وتضحياتهنّ… “طلعنا عالحرية” اختارت ثلاثة من هذه الكتب لاستعراضها ههنا..

الكتاب الأول بعنوان “تسع عشرة امرأة – سوريّات يروين” للكاتبة والروائية السورية سمر يزبك المقيمة في باريس.

وهو صادر مؤخراً عن “منشورات المتوسط” في ميلانو، ويضمّ مجموعة حوارات كانت أجرتها صاحبة “المشّاءة” مع خمس وخمسين امرأة في البلدان التي لجأنَ إليها: تركيا، فرنسا، ألمانيا، كندا، لبنان، بريطانيا وهولندا، وكذلك في الداخل السوري. لكنها اختارت منها تسع عشرة شهادة فقط، بسبب الشبه المتكرر في تجارب النساء، والذي يظهر جزءاً من الجحيم الذي قاومنّه بشجاعة في سوريا، وهو جزء من جحيم تعيشه النساء في العالم العربي وفي مناطق أخرى من العالم، فكانت الأولوية في الاختيار لمسألة التنوّع الجغرافي السوري، لتشكيل مشهدية أوسع عن الذاكرة.
إلى الحفيدات: “لم نغلق الباب وراءنا، ولم نتركه للريح”
بدأت سمر يزبك كتابها بإهداء مؤلم يرسم ما آل إليه حالنا بعد ثمانية سنوات من هذه الثورة المجيدة، اليتيمة، إذ كتبت: “إلى حفيداتنا وأحفادنا: كنا نتطلع إلى قامة مستحيلة، اسمها العدالة، لم نغلق الباب وراءنا، ولم نتركه للريح!”.
اشتغلت صاحبة “جبل الزنابق” على توثيق الذاكرة السورية في كتابيها “تقاطع نيران”، و”بوابات أرض العدم”. ويشكل كتاب “تسع عشرة امرأة” الجزء الثالث من شغلها على هذه الذاكرة.
عن اشتغالها على هذا الكتاب تقول يزبك: “ذهب هاجس السؤال عندي إلى مسؤوليّتنا كأفراد في تكوّن ذاكرة حقيقية وفعلية، مضادّة لتلك التي تسعى إلى تبرير الجريمة، ذاكرة قادرة على تثبيت سرديّة موازية تنصف قضيتنا العادلة، وتُظهر جزءاً من الحقائق ساطعاً وبليغاً. لقد رأيت أنّ أساس البدايات هو التّحديق والبحث في صورتنا المُفترضة كهوية جمعية، وتفكيكها، ومكاشفتها. ببساطة كانت هذه الذّوات التي شكّلتها النساء جزءاً من ذلك البحث المحموم الذي قادني إلى التّحديق المهول في تلك الهوية”.
تشدّد صاحبة “صلصال”، على أنّ “هذا الكتاب هو أحد طرائقي في المقاومة، وجزء من إيماني بدورنا كمثقّفين وكُتّاب في تحمّل مسؤوليّتنا الأخلاقيّة والوطنيّة تجاه العدالة وإنصاف الضحايا، والتي يتجلّى أهم وجوهها في حربنا ضد النسيان”.
نقرأ من الكتاب، الذي جاء في 280 صفحة من القطع الوسط، شهادة جاء فيها: “في اليوم الأخير وقبل خروجي النّهائي من حلب، أردتُ إيصال معونات غذائيّة إلى مجموعة عائلات، كانت على وشك الموت جوعاً. كنتُ أركض في منطقة فيها قنّاصة، فرأيتُ سيّارة مشتعلة إثر قذيفة سقطتْ عليها، وفيها ناس يحترقون. لم أتوقّف لأُسعفهم، فقد كانوا موتى، وأنا أعرف أنّ هناك أطفالاً جائعين في انتظاري. عندما وصلتُ إلى مكان وجود العائلات، وقبل أن أُسلِّمها الطّعام، سقطتْ قذيفة فوقنا. في الدّقائق العشر الأولى، لم أرَ سوى الدّخان الأسود، ثمّ بدأ ما حولي يتّضح شيئاً فشيئاً من جثث وأشلاء. عشتُ من جديد! وقلتُ في نفسي: يا للكارثة! لقد عشتُ! أمضيتُ ثلاثة أرباع الساعة أبحث عن سيارة لنقل الجرحى. كان المصابون كُثُراً. لن أنسى ذلك اليوم ما حييتُ! مات الجرحى أمامي، ولم أستطع إنقاذهم. كانوا أفراد عائلات جائعين، تحوّلوا فجأة خلال دقائق أشلاء متناثرة أمامي! حدث هذا في حَيّ “أغيور” في الشّهر الحادي عشر من عام 2016. حتّى الآن لا أصدّق كيف بقيت على قيد الحياة. لقد خرجت عشرات المرّات من تحت الأنقاض والرّكام وانتشلت جثث أصدقائي”.
الكتابُ موجعٌ وصادم، وهو وثيقة مهمة لتوثيق كاتبة وروائية جريئة، لا تعترف بالخطوط الحمراء، شهادات لنساء كنّ شجاعات وصادقات حتى في رواية “سقطات” الثورة، وكل من تاجر بها وليس النظام فقط، ما يجعل من تلك الشهادات الجحيمية، والتي يصعب تصديقها أحياناً، سرديّات موازية لا تبرئ أيّ طرف مما حدث في سوريا، التي صارت أكبر مسلخ بشري في العالم في العصر الحديث.

“إلى أن قامت الحرب”.. شهادات ضد الاستبداد والطغيان الوطني
جولان الحاجي الكاتب والشاعر والمترجم الكردي السوري، المقيم في فرنسا، عمل هو الآخر على موضوع النساء في الثورة السورية، من خلال تجاربهنّ، ومآسيهنّ، وشجاعتهنّ، وإحباطاتهنّ، ومفاهيمهنّ، وآمالهنّ، التي كثيراً ما قادتهنّ إلى معتقلات النظام والموت تحت التعذيب.
“إلى أن قامت الحرب – نساء في الثورة السورية” (دار رياض الريس – بيروت/ لندن)، كتابٌ جاء في 213 صفحة من القطع المتوسط، وهو ثمرة عمل دؤوب، جامع، متعدد، يتناول شهادات لنساء سوريات، لا يذكر الكاتب أسماءهنّ الحقيقية، عن حياتهنّ ومشاركتهنّ في الثورة السورية ضد الاستبداد والطغيان الوطني، قبل أن تتحوّل إلى حرب طاحنة تغذيها قوى إقليمية ودولية ما جعلها مستمرة حتى الآن.
أساس الكتاب عبارة عن شهادات ومقابلات أنجزتها منظمة “استيقظت” السورية، التي تعنى بشؤون النساء السوريات، بمجموع يصل لستين مقابلة/ شهادة، تحدثنّ فيها هؤلاء النسوة عن حياتهنّ ومشاركتهنّ في الثورة السورية.
صاحب “ميزان الأذى”، انتقى من الستين مقابلة/ شهادة سبعة عشر نصّاً فقط، ليصوغ النصوص المنتقاة بعناية بأسلوبه الأدبي، محتفظاً بتفاصيل الشهادات كما روتها النساء السبع عشرة بين دفتي الكتاب.
يبدأ الكتاب بجمع الشهادات أو المقابلات في ربيع عام الثورة الأول 2011 وينهيها في ربيع العام 2013، أي خلال المرحلة الأوضح لثورة السوريين، لنتعرف من خلال شهادات لنساء قرويات ومدنيات من مختلف المناطق والمدن السورية، كداريا ودوما وحرستا وغيرها، على المآسي التي عايشها السوريون طيلة نصف قرن من ظلم وفساد وفقر واعتقالات سياسية وإخفاء قسري وتعذيب للعقول والأجساد، بحسب ما ورد في الكتاب.
في الكتاب تتعدد نماذج نساء الثورة السورية، إذ إنّ بعضهنّ محافظات وبعضهنّ أكثر انفتاحاً أو “علمانيات” كما يصفن أنفسهنّ، ويؤكدن في شهاداتهنّ أنهنّ لم يشاركن في الثورة طمعاً بنجومية أو شهرة أو لاحتلال الشاشات، وإنّما شاركن، لإكمال ثغرة ما في إنسانيتهنّ المنقوصة.
المتحاورات، كما ورد في الكتاب، أكدن أنّ ثورة تونس ثم مصر حمّستا السوريين على الثورة على الظلم والبطش والعنف اللاحق بهم.
تنتهي المقابلات بصوتين لامرأتين في المنفى السوري، واحدة برجوازية توضح دور طبقتها في سوريا والمعارضة السياسية وأسباب فشلها؛ والمرأة الثانية كردية تظهر الوضع المزري اللاحق بأكراد سوريا المحرومين من ممارسة لغتهم وحتى من استخدام أسمائهم، وتعتزّ بالنساء الكرديات اللواتي حملنّ السلاح وحاربن في سبيل حقوق شعبهنّ.
المؤلف سلّط الضوء على دور السوريات في الثورة منذ الصرخة الأولى، فيخبرنا كيف أصدرت النساء صحفاً ثورية، وصممن الشعارات والملصقات، ورسمن صوراً كاريكاتورية وزّعنها ليلاً مع الصحف على البيوت والمحلات المغلقة؛ وحين شحّ المصل والأدوية والدم وغيرها، عملن على تأمينها. حتى النساء اللواتي فقدن أبناءهنّ أظهرنّ شجاعة نادرة.

واقع المرأة السورية زمن الحرب والأفق المنشود..
الكتاب الثالث الذي نتوقف عنده، هو “المرأة السورية في ظل النزاع”، للكاتبة والمحامية السورية سحر حويجة، التي تناولت فيه بالدراسة والتحليل ظاهرة العنف ضدّ المرأة ودور الأوضاع الراهنة في انتشاره وازدياد عدد ضحاياه، وظهور أشكال جديدة منه، في ظل ما يحدث في سوريا.
جاء الكتاب الصادر عن دار “الرحبة للنشر” بدمشق عام 2016، في 167 صفحة من القطع المتوسط.
في مقدمته ترى المؤلفة أنّ “الحروب تعتبر أحد أشكال العنف السياسي، يتولد عنها مباشرة، أشكال متعددة ومختلفة من أشكال العنف الأخرى، لكن لا يوزع الموت بالتساوي في الحروب، بل ضحايا الحروب من الرجال أكثر من النساء، باعتبارهم الطرف الرئيسي في القتال، وعليه في محصلة أيّ حرب، بالأخص الطويلة منها نجد تأثيرها الكبير على التوزيع الديمغرافي للسكان من حيث الجنس، وما لذلك من التأثير الملحوظ على التوازن الاجتماعي في المجتمع”.
تبين حويجة أنّ أبرز نتائج الحرب على النساء هو ما تخلفه من نسب كبيرة من الأرامل، ما يترك المرأة منفردةً لتحمل عبء تربية الأولاد على المستوى الاقتصادي والاجتماعي وما ينتج عن ذلك من انعكاسات نفسية كبيرة على المرأة والأولاد.
لافتة إلى أنّه في الحرب نجد أنّ العنف الجسدي وإزهاق الأرواح ينال من جميع أفراد المجتمع، لكن العنف المعنوي والإيذاء النفسي ينال من المرأة بشكل أكبر، إضافة إلى ذلك فإنّه أثناء الحرب يظهر وبنسبة كبيرة أشد أنواع العنف ضد المرأة، ومنها: الاعتقال والخطف، والاغتصاب، والاتجار بالنساء والتشرد. أضف إلى هذا كله انتشار ظاهرة اللجوء والنزوح هرباً من الموت.
تؤكد المؤلفة أنّه عندما تنتهي الحرب في بلادنا، ستكون سوريا على أبواب مرحلة جديدة وحاسمة في انتظار إيجاد حل لجملة من القضايا التي تحقق آمال الشعب السوري والوطن السوري ومنها قضايا المرأة.
مشدّدة على أنّ قضية حرية المرأة، ومساواتها مع الرجل، والعمل على تغيير القوانين التمييزية، هي قضية من صلب القضايا الأساسية كالديمقراطية والحرية والمواطنة في مجتمعاتنا، وليست شأناً خاصاً تعبر عن مصالح خاصة تتعلق بنضال النساء، بل إنّ هذه القضية -من وجهة نظرها- ترتبط بعملية بناء الدولة السورية الحديثة المنشودة.

Exit mobile version