Site icon مجلة طلعنا عالحرية

الحرب تغير مشكلات الزواج .. من بريستيج الماضي لصعوبات الحاضر

يارا شامية

يقال لكل أزمة سوداء تجليات إيجابية ولعل الأزمة السورية انعكست إيجاباً فقط بالتخلي عن متطلبات الزواج المتعارف عليها سابقاً والمؤلفة من ثلاث عقود ذهبية تحيط بعنق العروس وأخرى بمعصمها ومنزل فاخر الأثاث وعرس أسطوري والتي بات تحقيقها اليوم بالنسبة للأسر المتوسطة الدخل ضرباً من المحال، لكن الزواج خرج من دلف مغالاة التقاليد إلى مزراب الأزمة وتداعياتها.

حيث فجرت الحرب عقبات للزواج تختلف عن غلاء المهور وتكاليف الفرح وبيت الملك والمفاتيح الثلاثة إلى أخرى تتعلق بغلاء الأسعار والتشرد والتجنيد مدى الحياة، فالشاب السوري أمام خيارين إما الهجرة أو الالتحاق بصفوف المعارضة أو النظام وبالتالي لا يستطيع الزواج لأنه مطلوب لعزرائيل بأي لحظة.

ناهيك عن الظروف الاقتصادية القاسية التي فرضتها الحرب فسوريا تقدم لشبابها “العرض الحصري “ بالعالم “الراتب 50 دولار وأجرة البيت 150 دولار” عرضا دهس الأحلام الوردية التي تأمل دخول القفص الذهبي وأدى لتأجيل حلم الزواج حتى إشعار آخر.

أمام تلك الظروف يتباين مواقف الأسر السورية وقفا لطبقاتهم المادية فمنهم من راح يتساهل بالزواج وشروطه لدرجة دفعته لتزويج ابنته “عالصورة” دون التمحيص عن آل العريس وفصله أو حتى حضور حفل قران قرة عينه، نتيجة هجرة معظم الشباب وخوفهم من دخول البلد لإتمام مراسم الزواج ما أدى لانتشار ظاهرة الزيجات الالكترونية دون أي لقاء سابق بين الشاب وعروسه قبل ليلة الزفاف.

لعله الخوف من العنوسة دفع الكثير من الرجال لتزويج الفتيات لأول قارع باب، لكن حتى اليوم مازالت الكثير من الأسر تتمسك بتقاليد الماضي المتمثلة بغلاء للمهور والتمحيص عن العريس وأصله وبريستيج حفل الزفاف الذي كلما كان باذخاً دل على ثقل وزن “ أسرة العروس “

التمس ولو خاتم من حديد

في الماضي كانت شبكة الزفاف مؤلفة من طقم ذهبي يقدم ليلة الزفاف للعروس إلى جانب محابس وسوار الخطوبة، لكن اليوم يقدر غرام الذهب ب 20 ألف ليرة سورية أي إذا أراد الشاب شراء محبس وسوار من النوع الخفيف عليه أن يدفع ما يقارب 300 ألف ليرة سورية في حين يبلغ سعر الطقم الذهبي مليون ليرة بالحد الأدنى.

فستان الزفاف

 الثوب الأبيض والطرحة الذي تحلم به أي فتاة شرقية يعتبر أساسياً بأي عرس سواءً كان شعبياً أو مخملياً، يتراوح سعر هذا الثوب بين 200 ل 500 ألف ليرة سورية علماً أن الفتاة ترتديه يوماً واحداً في العمر.

 ليس الحال أفضل بكثير بالنسبة لأجرته التي تتفاوت بين 30 ل 200 ألف ليرة سورية، ناهيك عن تكاليف زينة العروس وإكليل الزهور …. إلخ

العش الزوجي بأسعار فلكية

في ظل الظروف الراهنة يعتبر تأمين سكن للعروسين من أهم معوقات الزواج والتي أدت في كثير من الأحيان لقبول مشاركة الأهل بالسكن نتيجة غلاء أسعار العقارات وجشع أصحاب الابنية التي ما زالت مناطقها تحتفظ ببعض الهدوء والأمان.

لكن السكن المشترك حل لمشكلة مادية إلا أنه وبحالات كثيرة أدى للطلاق فما جمعه الله فرقته الأزمة.

لعل هذا ما دفع الكثير من الشباب للعزوف عن الزواج أو للبحث عن زوجة جاهزة بعيداً عن معايير التجانس العمري والثقافي والسمعة الحسنة وبهذا تحولت العلاقة الشرعية الجميلة لصفقة مادية بحتة.

حتى المهور تحسب بالدولار

أدى الهبوط المستمر لسعر صرف الليرة السورية إلى لجوء العديد من الأسر لتأييد المهور بقيمة ذهبية متناسيين تماما أن العريس “السوبر مان “   يتقاضى أجره بالعملة المحلية.

في هذا الشأن يقول محمد (30 عاما) عندما تقدم لطلب يد رانيا (24 عاماً) اشترط أهلها مهر يساوي أربع ليرات ذهبية معجل مقبوض وأربع أونصات مؤخر غير مقبوض.

يضيف لم نقف عند الأمور المادية فالاختيار كان يناسبني من جميع النواحي علماً أن تكاليف الزواج كانت باهظة للغاية.

أما المأذون أبو أحمد فقد قال: “عقدت الكثير من القرانات كانت تحسب المهور فيها بالدولار أو بالليرات الذهبية “حفاظا من الأهل على حق ابنتهم الذي يذوب كلما هبطت العملة “

من جهة أخرى تشير تقديرات مستثمري صالات الأفراح إلى انخفاض تكاليف الزواج في ظل الأزمة بنسبة قاربت على 60%، وخاصة تكاليف الفرح الذي أضحى يعقد منتصف النهار وينتهي قبل عصره، واقتصار قوائم المدعوين على من استطاعوا إلى الحضور سبيلا، إضافة إلى تجهيزات العروس التي انخفضت لتقتصر على الضروريات، نتيجة عدم تحمل البيت المزدحم بالسكان (كراكيب الأغراض)

 إلى جانب اختصار نفقات أثاث المنزل مع إغلاق أسواق الخشب الرئيسية بريف دمشق، وانخفاض القدرة الشرائية للمواطن السوري، وخاصة ما يرتبط منها بالتجهيزات الثقيلة، وهو ما يوافق وجهة النظر القائلة إن الزواج هذه الأيام كالقطعة النادرة يجب تيسيره وهذا ما حض الدين الإسلامي عليه ولا يعني ذاك أن العروس رخيصة لأن قيمتها الحقيقية ليست بما يدفع لها من مهر وذهب، إنما تساهل الفتاة في متطلباتها يعني أنها واعية ومدركة لمتطلبات العصر.

في الغرب يتقاسم الشريكان كامل نفقات الزواج في حين ما زلنا حتى الآن نلقي كامل المسؤولية على عاتق الشاب المسكين صاحب الدخل المحدود والراتب المقطوع.

 هذا يعني أن دعوات المساواة بين الجنسين ليست إلا تقليد شكلي فارغ المضمون حتى الآن.

Exit mobile version