مجلة طلعنا عالحرية

التدفئة البديلة في مخيمات الشمال السوري

مخاطر ومشاكل صحية لا تنتهي

هاديا منصور

اتقضي مريم (30 عاماً) نصف يومها مع ابنيها رائد وحسان، وهي تجمع أكياس النايلون والمواد البلاستيكية وكل ما هو قابل للاحتراق، لتستعين بها في التدفئة مساءً كحل بديل عن تأمين وسائل التدفئة المعروفة، والتي باتت رفاهية وخاصة بعد غلاء أسعارها الجنوني.
الأوضاع المعيشية الصعبة للكثيرين من أهالي إدلب والشمال السوري مقيمين ونازحين، منعتهم من الحصول على مواد التدفئة في فصل الشتاء بشكل دائم، وهو ما أجبرهم على البحث عن حلول بديلة بتكاليف منخفضة، غير آبهين بخطورتها على صحتهم.
مريم فقدت زوجها بالقصف على مدينتها سراقب قبل نزوحها أواخر عام 2019، تؤكد أنها لم تعد قادرة على تأمين متطلبات أبنائها وسط كل هذا الغلاء والفقر، لذا باتت القمامة والملابس البالية والأحذية القديمة من الوسائل المعتمدة للتدفئة عندها وعند كثير من النازحين في مخيمات شمال غرب سوريا، لسهولة الحصول عليها وانخفاض تكلفتها مقارنة مع وسائل التدفئة التقليدية كالحطب والوقود.
“حين نشعل ما نجمعه في المدفأة مساءً تنبعث منها روائح كريهة، ونشعر بضيق تنفس، لكننا مضطرين لتحمل الأمر، أفضل من تحمل البرد القارس، فلا خيار آخر لدينا وللضرورة أحكام” تقول مريم، مضيفة: “نعاني من النقص الكبير بمواد التدفئة ولا نحصل على أي دعم لمواجهة البرد من أي منظمة أو جمعية خيرية، فقط يقومون بتصوير أوضاعنا كل فترة ولا نتلقى منهم إلا الوعود”.


أسعار المحروقات مرعبة!
وسائل تدفئة بديلة عديدة لجأ إليها المدنيون في إدلب بعد الارتفاع غير المسبوق لأسعار المحروقات، كالمازوت الذي وصل سعر البرميل منه إلى 150 دولاراً أمريكياً، وكذلك الحطب الذي ارتفع سعره بعد الإقبال على شرائه ليصل سعره إلى 120 دولاراً للطن الواحد.
الزيت المحروق والكاوشوك (قصاصات إطارات السيارات) كما يسميه أهالي المنطقة، أصبحتا من وسائل التدفئة لزهد أسعارها وكثرة وجودها في محلات تصليح السيارات ومغاسلها.
الأربعيني حامد الصوراني يتردد لمغاسل السيارات كل مدة لشراء الزيت المحروق الذي يستخدم في التدِفئة، حول ذلك يقول: “عندما لا يجد الإنسان وسيلة لتأمين وسائل تدفئة مرتفعة الثمن، عليه أن يجد بديلاً وبسرعة قبل أن يمرض أبناؤه ويعانون البرد القارس”.
يشتري الصوراني سعر الليتر الواحد من الزيت المحروق بأقل من دولار لكنه يكفيه لمدة طويلة، وعن كيفية استخدامه يوضح: “أضع القليل منه داخل أي مدفأة مع القليل من الحطب فيؤدي إلى اشتعال الحطب، ويمدّ في عمره داخل المدفأة أطول قدر ممكن”.
الفحم الحجري هو الآخر وسيلة تدفئة للكثيرين رغم أضراره الصحية على جهاز التنفس، وعن أنواعه يشرح الصوراني الملم بكافة أنواع التدفئة البديلة: “هناك ثلاثة أنواع حسب جودته، الأبيض وهو أردأ الأنواع، يليه الأحمر ثم الأزرق الذي يعتبر أفضلها، وكل نوعية تختلف في سعرها عن الأخرى”.
البيرين أيضاً ملجأ للكثيرين، وهو من المخلفات التي تنتج عن عملية عصر الزيتون لاستخراج الزيت، ويُباع على شكل قوالب جاهزة اسطوانية الشكل بعد تعرضها للضغط والتجفيف.
وعنه يقول الصوراني: “يمنح دفئاً أكبر مقارنة بالحطب وهو أخف وزناً منه، ويبلغ سعر الطن منه 110 دولار أمريكي”.


مخاطر صحية!
تعتبر مواد التدفئة غير السليمة أو البديلة في معظمها كالنايلون والكاوشوك والأحذية القديمة والملابس البالية مواد خطرة عند اشتعالها، وغالباً ما تسبب أمراضاً عديدة، وأحياناً حالات اختناق ووفاة لدى بعض الأطفال أو الكبار، وهو ما يؤكده الطبيب علاء الأحمد.
يوضح الطبيب: “الغازات المنبعثة عن احتراق هذه المواد وأبرزها غاز ثاني أكسيد الكربون، واستخدامها في أماكن مغلقة وغير مهواة، يؤدي لنقص الأوكسجين وضيق التنفس، وهي السبب الأهم لالتهاب القصبات المزمن، إضافة إلى أنها عامل محسّس بشدة وتسبب أمراضاً مزمنة، وتسبب خطورة عالية تحديداً على مرضى الربو”، مضيفاً: “إنها مواد مسرطنة للجهاز التنفسي بامتياز، وهي تؤثر على مرضى القلب، حيث يكون القلب غير قادر على تأمين الأوكسجين لكافة الجسم بسبب ارتفاع التوتر الرئوي ووذمة الرئة، ويؤدي احتراق هذه المواد إلى زيادة ثاني أوكسيد الكربون بالدم، فيزداد الجهد على القلب لتأمين الأوكسجين والذي يؤدي غالباً إلى الوفاة”.


للحوادث حضور قوي!
تكررت حوادث الحرائق والاختناق داخل المخيمات جراء استخدام مواد التدفئة البديلة، حيث وثق فريق “منسقو استجابة سوريا”، نشوب أكثر من 35 حريقاً في الشمال السوري خلال الـ 26 يوماً فقط في بداية السنة، تسببت بأضرار مادية.
وأضاف الفريق أن الحرائق والأضرار كانت 19 حريقاً ضمن المنازل، أسفرت عن إصابة 8 مدنيين بينهم 5 أطفال وامرأة، إضافة إلى وفاة طفلين اثنين، مشيراً إلى وقوع 16 حريقاً ضمن المخيمات، أسفرت عن تضرر 20 خيمة، ووفاة طفلين، وإصابة 5 مدنيين بينهم امرأتين وطفلين.
ودعا الفريق في بيانه كافة السكان في الشمال السوري، إلى ضرورة اتخاذ الإجراءات الاحترازية لمنع حدوث الحرائق، والتي تعود بمعظمها إلى الاستخدام غير الآمن لوسائل التدفئة أو تسرب الغاز من مواقد الطهي.


اختراعات محلية بديلة!
أثناء عملية البحث عن وسائل تدفئة بديلة أكثر أمناً جاء ابتكار مدافئ قشر الفستق الحلبي، كوسيلة صحية ولا يصدر عنها أي روائح أو دخان مزعج، كما أنها أقل تكلفة من المازوت.
يبلغ سعر الطن الواحد من قشر الفستق حوالي 175 دولاراً ويكفي لكامل موسم الشتاء، وهو بمعظمه مستورد من تركيا، وهناك قشر الجوز والمشمش والبندق التي تصلح للاحتراق داخل المدفأة ذاتها، ويتراوح ثمنها بين 100 و130 دولاراً، غير أن تحمل أعباء شراء هذه المدفأة وكلفة تشغيلها ما تزال حكراً على الميسورين، كونَ عشرات الآلاف من النازحين المنتشرين في المخيمات العشوائية بالمنطقة غير قادرين على توفير أبسط احتياجاتهم، وما تزال التدفئة بالنسبة لهم من أبرز التحديات التي يواجهونها خلال الشتاء.

Exit mobile version