شاع أن ينشغل الإعلام في آخر كل سنة بعمل عروض مجملة وبانورامية لأهم ما حدث في العام المنقضي، وربما عرّج البعض لرصد احتفالات الناس بالأعياد..
كيف يا ترى تبدو الصورة البانورامية لسوريا في نهاية هذه السنة؟
عادة ما تترك الأحداث المتأخرة انطباعاتها على طريقة نظرتنا لكل السنة، وحتى لا تنطبع صور المآسي الأخيرة دعونا نكبّر العدسة قليلاً؛ لنأخذ عشر سنين بدلاً من واحدة. يبدو الآن من الصعب أن نبعد عدستنا أكثر لنأخذ صورة تمثل البلد وتضم أكثر من عقد ونيف من الزمن.
لا شك أن الصورة البانورامية هي صورة مجمل الشهداء الكثيرين لدرجة أننا لم نستطع حتى أن نحصي عددهم. أو صورة للمعتقلين الذين لا نعرف عددهم أيضاً، ولا نعرف مصير معظمهم وفي كل الأحوال لا نملك لهم إلا إعادة ذكرهم والتذكير بهم.
وصورة من القمر الصناعي (الأمريكي) لسوريا تقول إن الكهرباء مقطوعة في معظم هذه (الدولة). وصور غوغل إيرث تقول إن أكثر من نصف البلد صار مدمّراًً ولا تقول من الذي دمّره.
الصور الفوتوغرافية من وعن سوريا والسوريين غالباً ما تكون لطفل ينزف وفي الخلفية حطام وحريق ومزيد من الجثث. أو طفلة تلبس أسمالاً ممزقة في البرد… لكن عيونها تلمع. أو صورة مركب تهريب للبشر يتهادى في البحر ومعظم ركابه سوريون خائفون.. (لا نريد ذكر الصور التي تتعلق بالرجم أو بقطع الرؤوس والأيدي والأصوات والأحلام..).
من مناطق النظام تأتي صورة بشار الأسد أو البسطار العسكري، وطوابير المتعبين بانتظار الخبز أو الغاز أو البنزين..
قتلى وأشلاء ومشردون وبشار الأسد وحذاء وجنود غرباء.. برقع أفغاني، لحى وسيوف ورؤوس تطير.. هكذا يرانا العالم وهكذا يريدنا أن نرى أنفسنا وبلادنا.
ستبدو أوقات الانتصار للحرية والكرامة كومضات (فلاشات) سريعة بالكاد تؤثر على شكل (وإضاءة) النتيجة.
سوريا (مملكة الصمت سابقاً) صارت لعشر سنوات أصخب بقعة في العالم، والأخطر أيضاً.. مكان مزعج ومنزعج؛ فعندما ثار السوريون تعرّى العالم ومؤسساته الدولية.
لكن، ماذا لو غيرنا طريقة التصوير بدلاً من أن نغير العدسة فقط؟ ألا توجد أجهزة تصوّر مثلاً وضع الاستبداد؟ أو القهر؟ مثلما صار في كرة القدم أجهزة ترصد الخارطة الحركية للاعبين، أو للمس كلّ واحد منهم للكرة.. مراكز الأبحاث تقوم بذلك..
وللأسف، تبدو صورة مؤشر الحرية والعدالة أو احترام الناس متشابهة على امتداد الخارطة. وهناك أيضاً مؤشر للأمل؛ شعور الناس بأن القادم أفضل أو حتى (من الممكن احتماله). لا شكّ أن الصورة الأخيرة صمّاء بلون واحد، بغض النظر عمن يحكم أو يتسلط على هذه المنطقة أو تلك.
ولعلّ هذا هو أهم تحدٍ للسنوات القادمة؛ أن نعيد لأنفسنا الأمل؛ المسوّغ الذي نستمرّ من أجله، الإيمان بأن هناك حياة ممكنة تنتظرنا وتنتظر أولادنا، في هذه السنة وفي سنوات أخرى قادمة.
ناشط وصحافي، رئيس تحرير مجلة طلعنا عالحرية، ومدير مكتبها في دوما / الغوطة الشرقية سابقاً، إجازة في الآداب من جامعة دمشق قسم اللغة الإنكليزية، مدير مكتب الحراك السلمي السوري في ريف دمشق.