Site icon مجلة طلعنا عالحرية

إيجارات المنازل في ريف حلب تفوق المعقول.. والدولار يحكم

حسين الخطيب

لم يتوقع محمد المنصور تركَ المنزل الذي تعب في بنائه خلال سنوات متواصلة من عمره، حيث كان يضع حجراً فوق آخر بكد يديه، فالمنزل الذي قضى عدة سنوات على بنائه بات فارغاً معرضاً للسرقة والنهب من قبل قوات نظام الأسد، لكن القدر دفعه إلى تركه وحيداً باحثاً عن منازل للإيجار في مدن وبلدات ريف حلب الشمالي.
يقيم المنصور في مدينة اعزاز في ريف حلب الشمالي، حيث انتقل مؤخراً إلى هذا المنزل الذي بات يشكل مكانًا آمناً له وأسرته، بعدما نزح خلال الربع الأول من عام 2020 من مدينة معرة النعمان بريف إدلب الجنوبي، نحو المخيمات العشوائية، عقب سيطرة نظام الأسد وميليشياته على عدة مدن في ريف إدلب الجنوبي.
قال المنصور خلال حديثه لمجلة “طلعنا على الحرية”: “نزحنا إلى المخيمات مرغمين، حيث تجتمع عشرات الأسر من أقاربي، لكن الأوضاع لم تعد تحتمل، لأن النزوح طال ولا عودة قريبة إلى ديارنا مجدداً، كنت أعتقد بداية تهجيري أنها مجرد أيام والعودة إلى الديار قريبة، لكن على ما يبدو لا عودة إلى المكان الذي أحب، وبتُّ في وضع صعب”.
وأضاف، خلال وصفه لمنزله: “ذلك المكان الآمن المفعم بالحيوية حيث الأولاد والجيران والأقارب، الذي يشكلون ترابطاً اجتماعياً متميزاً، أصبح من الماضي، أما الآن نحن منتشرون في مساحة جغرافية مع بيئة اجتماعية متنوعة من الناس”.
يبدو أن السوريين لم يتوقعوا تركَ منازلهم التي قضوا سنوات أمامها لبنائها أن تترك فارغة، ويلجؤون إلى استئجار المنازل، بصرف النظر عن طبيعة خدماتها. لكن مما زاد معاناتهم ارتفاع أسعار الإيجار إلى مستويات ضخمة، في حين هم يملكون عقارات متنوعة من محال تجارية ومنازل وأراض زراعية لا يستطيعون العودة إليها.
مع استمرار فترة النزوح التي طال أمدها، وفقدان النازحين والمهجرين أملهم في العودة إلى ديارهم ومناطقهم التي هجروا منها، باتوا اليوم يبحثون عن منازل للإيجار، وذلك للالتفاف على الأوضاع السيئة التي تعيشها المخيمات خلال فصل الشتاء. ما ساهم في ارتفاع أسعار الإيجارات بشكل غير مسبوق، لدرجةٍ أصبح الحصولُ على منزلٍ بخدماتٍ متوسطةٍ، وسعرٍ متوازنٍ، كالباحث عن إبرة في كومة قش، لأن معظم الأسعار تكون مرهونة بالدولار الذي بات يحكم بين الأهالي، بعد انهيار الليرة السورية، وانخفاض قيمة الليرة التركية، التي بدأ تداولها مؤخراً عوضاً عن الأولى.
يقول “حاتم الحسن” وهو رجل نازح يقيم في بلدة صوران شمال حلب، خلال حديث لمجلة “طلعنا على الحرية”: “أخيراً وجدت منزل متوسط الخدمات لكن سعره مرتفع يصل إلى 75 دولار أمريكي شهرياً، وعلى الرغم من ذلك استأجرته لأنني مضطر، ولا يمكنني البقاء في المخيم، لاسيما أننا بتنا أمام شتاء طويل يعاني منه قاطنو الخيام”.
وأضاف: “بحثت في مختلف الأماكن ومكاتب العقارات عن منزل بسعر مقبول لكن الأسعار عادةً ما تكون غير مناسبة للدخل المعيشي؛ إذ يتراوح إيجار المنزل بين 75 والـ 150 دولار أمريكي، بعضهم يطلب الإيجار لمدة ستة أشهر، وبعضهم لمدة سنة كامل، وهذا ما يعيق إقامتنا في منازل لفترة طويلة”.
وأشار الحسن إلى أنه يتقاضى مبلغاَ شهرياً من خلال عمله في مستودع للمواد الغذائية يصل إلى 100 دولار أمريكي، لكن الحاجة إلى المنزل دفعته للاستدانة من صديق له للحصول على منزل يقي أبناءه من برد الشتاء”.
ومع تدفق النازحين والمهجرين من مختلف المحافظات السورية إلى ريف حلب الشمالي، ازداد الطلب على المساكن، وبدأ بعض المقيمين يقتطع من المستودعات المخصصة لوضع الحبوب غرفةً وحمام، وبعد ترميمها بشكل بدائي، يعلن في ذلك عن منزل مخصص للإيجار، في حين لا يختلف هذا المنزل الذي لا يرى الشمس عن القبر، وعلى الرغم من ذلك، دفعت الحاجة الكثيرين للإقامة بتلك المنازل.
يقول “محمود شهابي” وهو صاحب مكتب عقاري: “يبلغ إيجار المستودع 35 دولار أمريكي شهرياً، ما يعادل 350 ليرة تركية، أما المنازل العربية القديمة التي تركها أصحابها ولجؤوا إلى تركيا فإن أسعارها تفوق الـ 100 دولار أمريكي، بينما الشقق السكنية التي يتم إيجارها لمدة لا تقل عن ستة أشهر فتصل تكلفة إيجار الشهر إلى 150 دولار أمريكي”.
وأضاف: “تتنوع الإيجارات بحسب جودة المنزل وموقعه والخدمات المتوفرة فيه، وبمجملها فإنها لا تشكل أي أهمية لدى النازحين الذين يبحثون عن مأوى لهم قد يعينهم على تحمل قسوة الحياة”.
دفع ارتفاع الإيجارات الأسر إلى استئجار المنزل من قبل أسرتين بطريقة تشاركية، سواءً كانوا شقيقين أو صديقين، لكن مع ازدياد تلك الحالات تحول الأمر إلى طريقة استغلال مشبوهة، يقوم فيها أصحاب العقار برفع سعر المنزل بحسب عدد الأشخاص المقيمين فيه، مما دفع العديد من النازحين إلى ترك المنازل واللجوء إلى القرى المحيطة بالمدن للحصول على منازل تمتاز بأجور منخفضة.
ويعاني سكان ريف حلب الشمالي، سواءً المقيمين أو النازحين والمهجرين إلى المنطقة، من ضيق معيشي صعب للغاية، الأمر الذي دفع هؤلاء لاستثمار المساحات المتوفرة في منازلهم وتحويلها إلى منزل يعرضه للإيجار، في محاولةٍ منه للحصول على دخل آخر يعينه على تحمل مصاريف المعيشة.
يأتي هذا كله، في ظل انخفاض الأجور اليومية التي تتراوح بين 20 و30 ليرة تركية، وانتشار البطالة بين الشباب، وندرة فرص العمل، مع ارتفاع كبير بأعداد السكان في منطقة جغرافية محدودة تفتقر لأدنى مقومات الحياة، مع استمرار انهيار الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي، مما انعكس سلباً على حياة الناس.

Exit mobile version